ويلحق بهذا الكتاب القيم - رغم ما نحن بصدده - كتاب أسمه (دليل البلاغة الواضحة) لنفس المؤلفين، يشتمل على حل التمرينات التي تضمنها كتاب (البلاغة الواضحة). فلا بد أن يكون به بيان (العيوب البلاغية) الموجهة إلى بيت أبي نؤاس، وهناك رأيت (في هذا البيت تكرار غير مفيد، فإن أبا نؤاس يريد أن يقول إننا أقمنا بها ثلاثة أيام، فكرر كلمة (يوماً) تكراراً معيباً لا غرض فيه، ولا قصد منه، والتكرار إذا لم يورث اللفظ حلاوة، ولم يكسب المعنى طلاوة كان ضرباً من السخف والعيّ، والعجب لأبي نؤاس يأتي بمثل هذا البيت السخيف الدال على العي الفاحش مع أبيات عجيبة الحسن تتقدم هذا البيت).
ووجدت بالهامش تعليقاً على ثمانية الأيام ما يلي:(في المثل السائر أن أبا نؤاس يريد أن يقول إنهم أقاموا بها أربعة أيام).
وفي كتاب (المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر) قال مؤلفه الشيخ ضياء الدين أبو الفتح نصر الله بن محمد بن محمد أبن عبد الكريم الموصلي الشافعي في باب التكرير: (وعلى هذا الأسلوب (يشير إلى ما سماه التكرير في اللفظ والمعنى غير المفيد) ورد في قول أبي نؤاس:
أقمنا بها يوماً ويوماً وثالثاً ... ويوماً له يوم الترحل خامس
ومراده من ذلك انهم أقاموا بها أربعة أيام، ويا عجباً له يأتي بمثل هذا البيت السخيف الدال على العي الفاحش في ضمن تلك الأبيات العجيبة الحسن التي تقدم ذكرها في باب الإيجاز وهي: ودار ندامى عطلوا وأدلجوا. . .).
ولقد وددت لو وافق صاحبا (البلاغة الواضحة) مؤلف (المثل السائر) في عدد أيام الإقامة بدار الندامى، وخالفاه في تهجين البيت، ورميه بالسخف والعي. . ولكنهما عكسا، فعارضاه في الأولى، وأخذا بالثانية، وإن كان أدق منهما في عجبه من وقوع هذا البيت في ضمن أبيات عجيبة الحسن وعجبهما من وقوعه بعد أبيات عجيبة الحسن، لأن الأبيات التالية له لا تقل حسناً إن لم تزد عن التي تتقدمه، وها هي ذي:
تدور علينا الكأس في عسجدية ... حبتها بأنواع التصاوير فارس
قرارتها كسرى وفي جنباتها ... مهاً تدريه بالقسيّ الفوارس
فللخمر ما زرت عليه جيوبهم ... وللماء ما دارت عليه القلانس