إن ما أعنيه بالفروق السيكلوجية هي تلك الفروق العقلية والخلقية والمزاجية والجسمية الموجودة بين الأفراد. ومن السهل على المفكر العادي أن يدرك مظاهر تلك الفروق في تصرفات الأفراد وفي إنتاجهم الاجتماعي والعلمي. وليس موضوع اختلاف الأفراد السيكلوجي حديثاً في ذاته، فقد تناوله العلماء والفلاسفة بالبحث منذ قرون. ولكنه حديث بالنسبة لبحثه بالطرق العلمية والإحصائية، وتحديد تلك الفروق وتبويبها، ومعرفة أسبابها، وعزو ما هو وراثي منها للوراثة، وما هو بيئي للبيئة. وهذا النوع من البحث العلمي في الفروق السيكلوجية ظهر واحتل مكاناً بين فروع علم النفس في الربع الأخير من القرن الماضي وذلك بنمو علم النفس التجريبي. وهو يعرف الآن بعلم النفس الفردي في
وأقدم من عالج هذا الموضوع أفلاطون في جمهوريته، فإنه حين وضع نظام المدينة الفاضلة بناه على أساس الاختلاف السيكلوجي بين أفراد الجماعة الواحدة. وكان يرى أن (العدل الاجتماعي) يقضي بأن يقوم الفرد بالعمل الذي أُعد له بطبيعته، والذي تقوى على تحمله وتسويته طاقته العقلية، واستعداده الجسمي. وكانت نتيجة هذا المبدأ أن قسم أفلاطون سكان مدينته إلى طبقات ثلاث، فجعل فيها طبقة الزراع والصناع والتجار، وهؤلاء بطبيعتهم غير صالحين لأن يكونوا ضمن الطبقة الثانية طبقة الجنود المدافعين عن المدينة من الخارج والمحافظين على نظامها في الداخل. وفوق هاتين الطبقتين طبقة ثالثة قد وهبت من المزايا العقلية والخلقية ما لم توهب الطبقتان الأخريان وهذه هي طبقة الفلاسفة والحكام الذين لهم حق الإشراف على الإدارة والقضاء والتشريع. وقد أشار أفلاطون في الجمهورية إلى أن هذه الطبقة الأخيرة طبقة ممتازة بالفطرة. وأهم مميزاتها التفكير المنطقي المعنوي، والإدراك الفلسفي لحقائق الأشياء. ومن الغريب أن هذه الميزة التي يراها أفلاطون ضرورية لطبقة الفلاسفة هي التي يسميها بعض علماء النفس الحديثين الذكاء
وضع أفلاطون منهجاً لتربية هذه الطبقات الثلاث، ورأى أنه من العبث أن يضيع المجهود في تربية طبقة الزراع والصناع، لأن هذه الطبقة ليست بفطرتها مستعدة للنمو الثقافي