للأستاذ احمد أمين. أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب
١
جلست إلى مكتبي وأمسكت بالقلم واستعرضت ما مر علي أثناء الأسبوع لأختار منه موضوعا أكتب فيه، فخطر لي أن أكتب في المساجلات الأدبية التي دارت بين شيخ العروبة والأستاذ مسعود في (الطرطوشي ولاردة)، وبين الدكتور زكي مبارك والأستاذ عبد الله عفيفي في كتاب (زهرات منثورة)، وبين الدكتور طه حسين والأستاذ العقاد في (اللاتينيين والسكسونيين). وقلت أن هذا موضوع طريف جدير أن يكتب فيه الكاتب ويعرض فيه لنوعي النقد اللذين ظهرا في كتابة هؤلاء الأدباء؛ فأحد النوعين قاس عنيف، تورط فيه الأربعة الأولون حتى يخيل إلي أنه لم يبق إلا أن يتسابوا بالآباء، أو يتضاربوا بالأكف، ويتبارزوا بالسيوف! والآخر عفيف خفيف كالذي سلكه طه والعقاد، فيه لذع، ولكن بالإيماء والإشارة، وفيه مهاجمة عنيفة، ولكن للفكرة لا لقائلها، ويخيل إلي أنهما إذ تقابلا تعانقا، ومهما أطالا فلن يتباغضا، ليس في أسلوبهما إدلال وفخر وإعجاب وعجب، كالذي بين شيخ العروبة ومسعود، وليس فيه إسفاف وتنابز بالألقاب وإدخال للعمامة والقبعة في وسط المعمعة، كما بين عبد الله عفيفي وزكي مبارك! يدعو أحدهما الآخر إلى التلمذة له، ويلقي كلاهما درسا في النحو على أخيه، ويذكر أن من الألفاظ ما لو ذكرته لهاج بي قراء الرسالة يوسعونني تأنيبا وتجريحا، ولغضب عليً صاحب الرسالة فعاقب مقالتي بإهمالها.
وقلت من الحق أن تصرخ في وجه هؤلاء، وأن تعلن أن نقدهم يعجبك موضوعا ولكن لا يعجبك شكلا، وأن الذوق إذا رقى اكتفى في الخصام بلمحة، وأن الأديب يعجبه التعريض والتلميح، ويشمئز من الهجو المكشوف والتصريح، وأن العامة إذا تسابوا أقذعوا، وأن أولي الذوق إذا تخاصموا كان لهم في الكناية ومراتبها، والإيماء ودرجاته، والتعريض ومقاماته، مندوحة من الأسلوب العريان والصراحة المخزية، وأن الحقيقة الواحدة يمكن أن تقال على ألف وجه، يتخير الأديب أحسنه، على حين لا يعرف العامي إلا وجها واحدا يتلوه