شاء الأستاذ مندور أن ينقلنا من الجو الأدبي الذي كنا نعيش فيه، ومن اللغة الأدبية التي كنا نتجادل بها، إلى جو آخر كريه، وإلى لغة أخرى هابطة، يبدو أنه يهرب إليهما كلما أحرج في جدل أدبي لا يملك أدواته
وقد تحدث إلي بعض الأدباء مستائين لانحدار أسلوب الجدل الأدبي إلى هذا المستوى الهابط، فأحب أن أعتذر عندهم للأستاذ مندور:
الرجل ذو حساسية مريضة في ناحية خاصة، ولم أكن في أول الأمر أعلم موضع هذه الحساسية، وإن كان حدسي قد هداني إلى شيء منها وأنا أتتبع ميله إلى (الحنية) في الأدب، وطريقته في المناقشة.
فالأستاذ مندور معذور إذن إذا خرج عن طوقه، ومعذور إذا لم يملك قلمه عن هذا الانحدار إلى شتائم شخصية لا يعسر على أي مخلوق أن ينحدر إليها، وإن كان يعسر على بعض المخاليق أن يرتفعوا عنها لسبب من الأسباب
على أن الخرافة اليونانية التي ساقها الأستاذ مندور في العدد الأخير عن خلق الرجل وخلق المرأة تكفي وحدها لحل عقدة الخلاف بيني وبينه في فهم الأدب ودراسة الشخصيات. فيبدو أن هؤلاء الآلهة الملاعين يزيدون في نسب المزج والتركيب وينقصون في كثير من الأحوال. ويبدو أن نسبة المزج في الأستاذ مندور تختلف اختلافاً بينا عن مثيلتها في رجال أمثال العقاد وسيد قطب، فطبيعي إذن أن تختلف الأمزجة والأحكام بنسبة هذا الاختلاف!
والغلطة - كما ترى - ليست غلطة الأستاذ مندور، إنما هي غلطة أولئك الآلهة الملاعين!
وقد اختار الأستاذ الفاضل في رده علي طريقة (الملاوعة والمكايدة)، ففهم أنه (يغيظني) إذا راح يتحدث عني كتلميذ للعقاد، ويصغر من شأني في أعين القراء. فأحب أن أقول له: إنني لسوء الحظ - لا أفهم الأشياء على النحو الذي يفهمه، لأن الآلهة فيما يبدو لم تودع