للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صحائف مطوية:]

من أخلاق البحتري

علاقته بالخلفاء

للأستاذ محمد رجب البيومي

لأبي عبادة البحتري عند أدباء العربية مكانة رفيعة لا يتطلع إليها ابعد الناس أملا في نباهة الذكر، واستفاضة الشهرة، فهو أحد الثلاثة الذين رزقوا من الحظوة والذيوع ما جلجل صداه في كل زمان، على أن الوليد أعقهم تأثير أو أكثرهم أنصارا، نظرا لديباجته الناصعة، وسلاسته المترقرقة، ووضوح معانيه وضوحا يصل بها إلى أعماق القلوب بمجرد النظرة الأولى، ولا كذلك أبو تمام والمتنبي، فالأول مغرق في الغموض والالتواء، والثاني مولع في مخالفة أهواء الناس، وحسبك أن يقول أبو العلاء_وهو أبعد الناس عن مذهب الوليد - (أبو تمام والمتنبي حكيمان وإنما الشاعر البحتري)!.

ولقد تناول شعره بالنقد والتحليل طائفة ممتازة من أرباب الأقلام الناضجة فقالوا فيه ما شاء لهم تفكيرهم واستنتاجهم، فمن من متعصب لهم كالآمدي، ومن متعصب عليه كالصولي، ومن متجرد عن الميول والأهواء كابن الأثير، ومهما يكن من شيء فقد خرج الأدب من هذا التطاحن المحمود بثروة كبيرة تعتز بها المكتبة العربية على ممر الأحقاب. وأن من الغريب أن يغفل هؤلاء جميعا عن دراسة أخلاق البحتري دراسة تبرزه على حقيقته أمام الجمهور، اللهم إلا شذرات يسيرة في مختلف الأسفار لا تشبع نهمة راغب في البحث، آمل في الوصول إلى نتيجة واضحة يفهم على ضوءها شعر البحتري كما يجب أن يكون الفهم والاستنتاج!

على أني آسف كل الأسف ل هذه الحقيقة المؤلمة التي اهتديت إليها بعد بحث جهيد، والتي تصور لنا البحتري خبيث الطبع، لئيم المكر، ملتهب الحقد، وهذا يتجلى بوضوح تام في مختلف علاقاته بالناس من خلفاء وشعراء وأصدقاء، بل في علاقته بأقاربه وأهل بيته وهم أولى الناس بعطفه وإشفاقه، لو كان في قلب الوليد إثارة من عطف وإشفاق!

ونظرة واحدة إلى ديوانه تريك العجب العاجب من وقاحته وغدره فهو يمدح الرجل ويذمه

<<  <  ج:
ص:  >  >>