قضية زيد بن حارثة وزينب بنت جحش من أكبر القضايا الإسلامية، وتمتاز بما كان فيها من تنحي القاضي الذي رفعت إليه أولاً عن الحكم فيها، لأنه رأى أن له فيها شأناً، فلا يصح أن يحكم فيها وله شأن بها، وذلك أصل معروف من أصول القضاء وقد عمل به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القضية وإن لم يكن محل ريبة، ليضع ذلك التشريع في القضاء الإسلامي، ويأخذ به القضاة في التنحي عن نظر القضايا التي يكون لهم فيها شأن.
ويرى الذين كتبوا في هذه القضية أنها تبتدئ من النزاع الذي حدث بين زيد وزينب بعد زواجهما، وإني أرى أنها تبتدئ من ذلك الزواج نفسه، وأن ذلك الزواج لم يكن إلا تمهيداً لهذه القضية التي لم يكن أمرها مقتصراً على زيد وزينب، وإنما كانت وسيلة لإبطال عادة ظالمة من أكبر عادات العرب في جاهليتهم، بل من أكبر عادات الأمم القديمة من عرب وغيرهم. وقد اختيرت هذه القضية لإبطال هذه العادة، واختير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو البادئ بإبطالها في أمر نفسه، لأن ذلك هو شأن كل مشرع، ولأنه كان لتلك العادة سلطان على النفوس، فلا يهون من أمرها إلا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وهو البادئ بإبطالها.
كان العرب في الجاهلية يلحقون بعض الأجانب بأولادهم، ويعطون الدعي جميع حقوق الولد في الإرث وحرمة النسب وغيرهما، كما كانوا يخلعون أبناءهم من نسبهم لسبب من الأسباب فيأتي الرجل منهم بابنه إلى الموسم ويقول: ألا إني قد خلعت ابني هذا، فإن جر لم أضمن، وإن جر عليه لم أطلب، فلا يؤخذ بجرائره.
وكان زيد بن حارثة من بني كلب، وأمه سعدى بنت ثعلبة من بني بن طي، فزارت قومها ومعها زيد ابنها، فأغارت خيل من بني القين على قومها، فاحتملوا زيداً وهو غلام يفقه، فأتوا به سوق عكاظ فعرضوه للبيع، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد، فلما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهبته له، وقد مكث عنده حتى حج ناس من كلب فرأوه فعرفهم وعرفوه، ولما رجعوا إلى قومهن أعلموا أباه حارثة بموضعه، فخرج هو وأخوه