معتقديه. فلئن كثر الناقمون على وحدة الوجود من كتاب (الرسالة)، إلا أن هذا لن يصرفنا عن تبرئة أصحاب هذه المقالة مما ينسب إليهم. فأما القول بأن وحدة الوجود تدعو إلى التدهور الأخلاقي والتحلل من الآداب، فهذا قول باطل مردود، وليس أدل على فساد هذا الحكم من أن ابن عربي نفسه - وهو أمام أصحاب هذا المذهب - كان (يفرق بين الظاهر والمظاهر فيقر الأمر والنهي والشرائع على ما هي عليه، ويأمر بالسلوك بكثير مما أمر به المشايخ من الأخلاق والعبادات)، كما شهد بذلك ابن تيمية نفسه. وأما القول بأن عبارة ابن عربي القائلة بأن العالم ما له وجود حقيقي (وهي تلك العبارة التي جعل منها الأستاذ دريني خشبة محوراً لرده، واتخذها ذريعة للسخرية من الفلسفة) عبارة فاسدة تنبو على العقل، وتند على المنطق، فهذا قول مرفوض منقوض، لأن ابن عربي لا يعني بالوجود هنا، ذلك الوجود المحسن الملموس، بل يعني الوجود الحقيقي الذي لا يتطاول إليه الوهم، ولا يرقي إليه العقل الإنساني القاصر. فكل ما تدل عليه هذه العبارة، هو أن وجود المحدثات المخلوقات ليس بوجود حقيقي، لأنه وجود عارض يلحقه التغير، ويتوقف على وجود غيره؛ في حين أن وجود الله الذي لا يثبت كونه إلا بعينه، وجود واجب لا يعرض له التغير والإمكان، ولا تلحقه الإضافة والتقييد بحال
أما تلك الأحكام السريعة المبتسرة التي يطلقها البعض على مذهب فلسفي عميق كمذهب وحدة الوجود، من غير تثبت أو تحقيق، ومن دون بحث أو تدقيق؛ فهذا ما لا نعني أنفسنا بالرجوع إليه وإدامة النظر فيه - وحسبنا أن نقرر هنا ما لمذهب وحدة الوجود من نزعة واحدية تتفق مع اتجاه العلم الحديث (وهو ما أظهرنا عليه أرنست هيكل عند حديثه عن هذا المذهب في كتابه (لغز الكون))، وما ينطوي عليه هذا المذهب من تنزيه بالغ استحال معه العالم إلى موجود متوهم ما له وجود حقيقي وأصبح الله وحده هو الموجود!
هذه كلمة ثانية أكتبها دفعاً لكل شبهة، ولن أردفها بأخرى مهما بدا للأستاذ الفاضل دريني خشبة أن يقول. فإن مثل هذه المسائل المعقدة قد لا تحتملها أعصاب القراء الفائرة في هذا القيظ!