عندما أعلن كارل ماركس نبوءته بشر بثورة العمال الكبرى التي ستنهي المرحلة الرأسمالية وتقيم على أنقاض عالمها نظاماً شيوعياً، وقال إن الفقر سيكون الدافع الذي يعجل بهذا الانهيار. وقد حصلت الثورة في روسيا وقام أبطالها بتطبيق نظريات كارل ماركس تمهيداً لإنشاء المجتمع الشيوعي الموعود. واليوم، وبعد أن مر أكثر من ثلث قرن على هذه الثورة، نسمع أن الجيش الأحمر حل محل ثورة العمال، وأن زعامة ستالين خلفت الفقر في تولي قيادة التاريخ. وبهذا تعلق مصير الشيوعية بهذا الجيش وبهذه الزعامة ولم تعد تعني تطوراً اجتماعياً محتماً لا بد منه. وبناء على هذا التحول نتساءل الآن عما إذا كان في إمكان الجيش الأحمر ومن وراء قوته روسيا غزو العالم وإقامة النظام الشيوعي؟
لقد اتضح بسرعة بعد الثورة الروسية أن هؤلاء الاشتراكيين البلشفيين أناس يختلفون في نزعتهم عن أولئك البلغار الدستوريين والثوريين من اتباع كريسنكي. لقد كانوا من الشيوعيين المتعصبين، وكانوا يعتقدون أن تسلمهم للسلطة في روسيا ليس إلا بداية للثورة الاجتماعية، فعملوا على تغيير النظام الاجتماعي والاقتصادي وإقامة نظام جديد بعقول لم تنضجها التجارب. وإن كانت الحكومة البلشفية قد نجحت في كفاحها ضد التدخلات الخارجية والثورات الداخلية، إلا أن نجاحها كان أقل في محاولاتها لإقامة نظام اجتماعي جديد يرتكز على المبادئ الشيوعية. فقد كان الفلاح الروسي، ذلك الفلاح الجائع صاحب الأرض الصغيرة، بعيداً عن الشيوعية في آرائه وطرائقه في الحياة بعد الحوت عن الطيران كما يقول ويلز. إن الثورة منحته أرضاً من تلك الأراضي التي كان يملكها الملاك الكبار، ولكنها لم تيسر له إنتاج غذائه لغير معاملات التبادل النقدية، بل إن الثورة دمرت من بين ما دمرت قيمة النقد ذاتها. يضاف إلى ذلك أن الفوضى كان قد سبق لها أن شملت الإنتاج الزراعي من جراء انهيار طرق السكك الحديدية أثناء المجهود الحربي فتقلص هذا الإنتاج تقلصاً انتهى به إلى أن غدا مجرد إنتاج للطعام يتعهده الفلاحون لاستهلاكهم الخاص. وجاعت المدن وفشلت فشلاً تاماً كل المحاولات الارتجالية الداعية لتحويل الإنتاج الصناعي وفقاً للمبادئ الشيوعية. وما إن حل عام ١٩٢٠ حتى كانت روسيا قد عرضت