قال محدثي: ولما قلت لهما أيها العجوزان: أريد أن أسافر إلى سنة ١٨٩٥؛ نظر إليَّ العجوز الظريف (ن) وقال: يا بنيَّ أحسب رؤيتك إياي قد دنت بك من الآخرة. . . فتريد أن نلوذ بأخبار شبابنا لتنظر إلينا وفينا روح الدنيا
قال الأستاذ (م): وكيف لا تريه الآخرة وأكثرك الآن في (المجهول)؟
قال: ويحك يا (م) لا تزال على وجهك مسحة من الشيطان هنا وهنا؛ كأن الشيطان هو الذي يصلح في داخلك ما اختلَّ من قوانين الطبيعة، فلا تستبين فيك السن وقد نيَّفتَ على السبعين، وما أحسب الشيطان في تنظيفك إلا كالذي يكنس بيته. . . .
قال (م): فأنت أيها العجوز الصالح بيتٌ قد تركه الشيطان وعلق عليه كلمة (للإيجار). . . .
فضحك (ن) وقال: تالله إن الهرم له إعادة درس الدنيا، وفهمها مرة أخرى فهماً لا خطأ فيه، إذ ينظر الشيخ بالعين الطاهرة، ويسمع بالأذن الطاهرة، ويلمس باليد الطاهرة. . . وتالله أن الشيطان لا معنى له إلا أنه وقاحة الأعصاب
قال (م): فأنت أيها العجوز الصالح إنما أصبحت بلا شيطان لأن الهرم قد أدب أعصابك. . .
قال العجوز الظريف: وعند من غيرنا نحن الشيوخ تطاع الأوامرُ والنواهي الأدبية حقَّ طاعتها؟ عند من غير الشيوخ تقدس مثل هذه الحكم العالية: لا تعتد على أحد. . . لا تفسد امرأة على زوجها. . .
قال المحدث: وضحكنا جميعاً، وكان العجوز (ن) من الآيات في الظرف والنكتة، فقال: تظنني يا بني في السبعين، فوالله ما أنا بجملتي في السبعين، والله والله
قال (م): لقد أهتر الشيخ يا بني فإن هذا من خرفه فلا تصدقه
قال (ن): والله ما خرفت وما قلت إلا حقاً، فههنا ما عمره خمس سنوات فقط وهو أسناني. . .