رغت الرعود وتلك هدة واجب ... جبل هوى من آل عبد مناف
غمرتني موجة حزن وتشاؤم قلما أشعر بمثلها، حينما حملت إلى الصحف في عزلتي الريفية نبأ وفاة الجابري، وأنا الذي لم أره منذ غادرت أراضي سورية إلا لماماً، فإذا كتبت عنه بعد وفاته، فإنما أستعيد ذكرى الأيام التي عرفته فيها فأثرت صداقته فيَّ لا كسياسي أو زعيم أو رئيس حكومة بل كرجل مجاهد شاء وده أن يعدني في يوم مضى من بين من يثق بهم، ممن اتصلوا به وأنسوا بوده ولمسوا شمائله وغمرهم بعطفه وأخوته ومحبته، فمن أول يوم تلاقينا فيه، وكان ذلك في بلدة صوفر من أعمال لبنان عام ١٩٤٠، كنت أشعر دائماً في حضرته بشيء يجذبني نحوه ويجعلني أطمئن إليه وأنصت لما ينطق به، ومرت الأيام والسنوات وهي تحمل بين طياتها الحوادث الجسام وأعمال الجهاد المتتابعة المتلاحقة لإقرار الدستور وعودة الحياة النيابية ثم مفاوضات الوحدة العربية التي انتهت إلى ميثاق الإسكندرية، فإذا هذه المنزلة في نفسي تلعو كل يوم وتثبت، فلا تؤثر فيها روعة المركز ولا تباعد الأيام لأنها كانت هبة من هبات الله. . .
وأذكر أنني حضرت معه في الطائرة من دمشق وأمضينا أياماً بالقاهرة وأخرى بالإسكندرية، فإذا بنا نكتشف أشياء في مصر، بقيت غامضة عني بعد أن قضيت عشرين عاماً متغرباً فجاء الاتصال بالحقائق مراً على النفس في أيام كانت تمر سراعاً وتجعلنا كل يوم أمام جديد، وسرعان ما أقنعت نفسي بالبقاء في مصر والتخلف عن العودة إلى دمشق، وذهبت إلى قصر الزعفران فوجدت الجابري هناك، ولمحت في نظراته أشياء قرأتها على وجهه ولمستها من إشعاع عينيه ودار الحديث عاماً، ولما استأذنته قلت إنكم تسافرون غداً، أما نحن فوالله قاعدون، فتجهم وجهه وقال لي كلاماً لن أنساه ولم يأت الوقت للإفصاح عنه.
فأمسكت بيديه وضغطت عليهما وقلت: كتب على الذين أمنوا أن يصبروا ويصابروا، فبالله عليك لا تجعل لهذا الكلام تتمة لا بالقول ولا بالعمل، فوعدني واتجه سعد الله الجابري