للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في محكمة التاريخ]

الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي

هل غدر بأمته وخليفته؟

- ٢ -

مناقشة المصادر

المصادر كما رأيت قسمان: قسم يبرئ الرجل مما نسب اليه، وآخر لا أقول يتهمه بالغدر والمخامرة، بل يلصق الخيانة به لصقاً دون تحرز او تشكك، ويمثل القسم الأول ابن الطقطقي وحده، ويمثل القسم الثاني ابو الفدا وابن الوردي والكتبي ابن خلدون ودحلان، فهؤلاء متفقون في الجوهر مختلفون في الاعراض. والآن أحو ل شطر انتباهي نحو ابن الطقطقي لأنه أول من كتب عن الحادث، ولأنه المؤرخ الأوحد الذي يحاول ان يبرئ ساحة الوزير من تلك التهمة الشنعاء، فيقول بصراحة إن ابن العلقمي لم يخامر، ويؤيد مدعاة باستبقاء هلاكو للوزير وتسليمه الأمر اليه بعد فتح بغداد، الا ان ما نعلمه من كلام ابن خلدون يدحض حجة ابن الطقطقي من حيث يؤيدها، فابن خلدون يذكر كما يذكر ابن الطقطقي أن هلاكو استبقى الوزير في دست الوزارة الا انه يزيد على ابن الطقطقي فيقول (والرتبة ساقطة عندهم فلم يكن قصارى أمره الا الكلام في الداخل والخرج متصرفا من تحت آخر أقرب إلى هلاكو منه) ثم لابن الطقطقي حجة أخرى براءة الوزير هي انه يستبعد على هلاكو ان يبقى على الوزير فيما لو كان الوزير غدر باستاذه، وهذا في الحقيقة استنتاج ضعيف جداً، يرده ما يقع تحت ابصارنا اليوم من استعانة المستعمرين بطبقة خاصة من الناس يسمونهم عادة بالمعتدلين، لكنهم في الحقيقة الخونة الخارجون على مبادئ الأمم النزاعة إلى استقلالها واستغلال مواهب ابنائها وماذا يضير هلاكو ان هو استبقى ابن العلقمي؟ وهل بلغ هلاكو من سموا النفس، وحب الصادقين والمخلصين تلك المنزلة التي تخوله ان يقتل من يخرج على هذه المبادئ، حتى ولو كان الخروج في مصلحة هلاكو؟؟ فعدم قتل هلاكو لابن العلقمي لا يؤخذ حجة على سلامة نيته في دولة المستعصم، بل على العكس من ذلك يمكن اعتباره كدليل إعلى إدانة الرجل وممالأته لاعداء الخلافة المتبرين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>