الظاهر أن الأستاذ الغمراوي رجل حسن النية صادق السريرة. وقلت الظاهر لأني لا أعرفه؛ ولا أريد أن أتعرض لنقده ما يسميه المذهب الجديد، ولا للنزاع الثائر بين أنصار الرافعي وبين أنصار العقاد. ولو كان الأستاذ قد اكتفى بالنقد الفني وقصره على ذلك النزاع الفني لسلم من بعض الهفوات التاريخية والاجتماعية؛ فقد قال إن نزعة التجديد يرجع أولها إلى نحو ثلاثين سنة، وقد ذكر فيما ذكر من التجديد أخذ الآراء الأوربية، ولم يكتفي بذكر ما أخذ منها مما هو في باب الآداب، بل ذكر أيضاً ما أقتبس من النظم والمبادئ الاجتماعية. وهذا الوصف الشامل للتجديد لا ينطبق على نزعة بدأت منذ ثلاثين سنة، وإنما ينطبق على النزعة بوجه عام منذ جاء نابليون إلى مصر، ومنذ عهد محمد علي باشا وإسماعيل باشا، ومنذ أدخلت المطابع وأرسلت البعوث العلمية واقتبست القوانين المدنية، ونظمت المحاكم الأهلية التي صارت تحكم بغير أحكام الشريعة الإسلامية، وكثر نقل الكتب إلى العربية. والأستاذ الغمراوي يعيب على المجددين أنهم يريدون رفض بعض أحكام الشريعة، ويذكر كيف أن بعض الكتاب يحبذ منع تعدد الزوجات. ويقول الأستاذ أن للدين وحدة تامة فلا يجوز أخذ بعضه وترك بعضه. ويا حبذا لو أن الأستاذ كان قد فصَّل هذه الناحية من التجديد في مقال مستقل عن النزاع على التجديد في معاني الشعر والنثر، إذ ما صلة الذين قاموا بإنشاء المحاكم الأهلية وأحلوا أحكامها محل الشريعة الإسلامية، وما صلة الذين يريدون منع تعدد الزوجات ومنع الطلاق، بمعاني شكسبير والمتنبي وملتون وأبي العتاهية مثلاً، ولعل أكثرهم كانوا لا يهمهم النزاع الفني الأدبي مطلقاً. نعم إن الدين والأخلاق لها مظاهر في الشعر والنثر فكان ينبغي للأستاذ الغمراوي وقد حكم للمذهب القديم أنه قوام الدين والأخلاق، وحكم على المذهب الجديد أنه بؤرة الإلحاد والمجون، أن يثبت هذا الزعم فينفي عن شعراء المذهب القديم كل كفر وإلحاد ومجون، وينفي عن شعراء المذهب الجديد كل تدين وإيمان بالفضائل مستشهداً بأقوالهم من شعر ونثر فإن هذه هي الطريقة الفنية للمفاضلة بين المذهبين من حيث الدين والأخلاق. وإن لم تخني الذاكرة