ما كان يدور بخلدي قط أن يكون هذا كل نصيبي من الدنيا، لقد طالما حلمت إبان صباي وفي فجر شبابي أني سوف أدير كرة الأرض على أناملي، وأني سوف أمثل باسمي الأفواه والأسماع والقلوب. والآن وقد نقضت أيام الصبا فإذا لي دنياي أديرها في غير جهد، وإذا أفواه وأسماع وقلوب يملؤها أسمي، وإذا أيد ترتفع إلى الجباه تحييني كلما أقبلت على عملي أو أدبرت عنه. ويا ما أكثر ما يتملقني تلاميذي!
واليوم إذ خرجت في الصباح إلى المدرسة بدأت تطوف برأسي هذه الخواطر: كنت في الماضي أصور الآمال وانتظر تحقيقها في أيام مقبلة، وأقبلت هذه الأيام فإذا آمالي ليس إلى تحقيقها من سبيل، فأصابني شيء من الرضا والقناعة وطفئت حرارة الصبى وجرأته، وأصبح الصبى وآماله حطاما، وإن عاودتني أحيانا ذكراه فلا أكاد أصدق أني كنت في يوم الأيام
إني أحيا الآن ولكن. . . عاريا عن الآمال والعواطف. لقد سقطت عني عواطفي وآمالي كما تساقط عن الشجرة الذاوية أوراقها؛ وكثيراً ما أشعر أني كالغريق الملقى على ضفة اليم ينتظر النهاية.
لست آسف على الماضي ولا أؤمل في المستقبل ولا أبالي كيف يكون، ولكني اقف الآن حيث أنا فاتحا يدي للقدر يلقي فيهما ما به يجود. . .
وإني لأدخل حجرة الدراسة - وأنا لا أزال غارقا في مثل هذه الخواطر - إذ تسألني نفسي:
- أكان من الممكن أن تقنع بمثل هذا في الماضي؟
وإذا بي أسمع صوتا ساخراً يقول مجيباً:
- ولم لا؟ ألم يكن يحلم بشجرة الخلد وملك لا يبلى و. . . عرش عظيم؟