كان ببغداد قاض يعرف بالجذوعي، واسمه محمد بن محمد ابن إسماعيل بن شداد أبو عبد الله الأنصاري (المتوفى سنة ٢٩١ هـ) حكى بن الجوزي قصة وقعت للجذوعي هذا مع غلام من متقدمي غلمان الموفق، وكان أميراً يوم ذاك، ومدار القصة دنية الجذوعي القاضي. قال أبو الفرج:(. . . فقال المعتمد من هذا؟ فقيل له الجذوعي البصري، قال وما إليه؟ قالوا ليس إليه شئ؛ فقيل مثل هذا لا ينبغي أن يكون مصروفاً فقلدوه واسطاً؛ فقلده إسماعيل وانحدر، فاحتاج الموفق يوماً إلى مشاورة الحاكم فيما يشاور في مثله، فقال استدعوا القاضي، فحضر وكان قصيراً وله دنية طويلة، فدخل في بعض الممرات ومعه غلام له، فلقيه غلام كان للموفق، وكان شديد التقدم عنده، وكان مخموراً؛ فصادفه في مكان خال من الممر، فوضع دنيته حتى غاص رأسه بها فتركه ومضى، فجلس الجذوعي في مكانه، وأقبل غلامه حتى فتقها وأخرج رأسه منها وثنى رداءه على رأسه وعاد إلى داره. وأحضر الشهود، فأمرهم بتسليم الديوان، ورسل الموفق يترددون، وقد سترت الحال عنه حتى ذكر بعض الشهود لبعض الرسل الخبر، فعاد إلى الموفق فأخبره بذلك؛ فأحضر صاحب الشرطة وأمر بتجريد الغلام وحمله إلى باب دار القاضي وضربه هناك ألف سوط. وكان والد هذا الغلام من جلة القواد، ومحله محل من لو هم بالعصيان لإطاعة أكثر الجيش، فلم يقل شيئاً. وترجل القواد وصاروا إليه وقالوا مرنا بأمرك، فقال إن الأمير الموفق أشفق عليه مني، فمشى القواد بأسرهم مع الغلام إلى باب دار الجذوعي فدخلوا إليه وضرعوا له، فأدخل صاحب الشرطة والغلام وقال له لا تضربه، فقال: لا أقدم على خلاف الموفق. قال: فإني أركب إليه وأزيل ذلك عنه، فركب فتشفع له وصفح عنه)
ومن ظريف الترادف قول بديع الزمان الهمذاني حينما كتب إلى القاضي أبي القاسم علي بن أحمد، يشكو أبا بكر الحيرى (. . . ثم يلبس دنيته، ليخلع دينيته، ويسوى طيلسانه،