الشاعر الذي أقدمه إليك في هذه الصفحات، كان أشبه بكتاب مفتوح. أستطيعأن أقول لك وأنا مطمئن، إنني قد قرأته كله. . . شعره على ضوء حياته، وحياته على ضوء شعره، ناحيتان تؤلفان هذا الكتاب الذي قرأته، وعشت بي سطوره، وخرجت من هذه السطور بآراء عرضتها على الذاكرة فما اعترضت وعلى الضمير فما أنكر، وعلى موازين النقد فما اختلفت مع أصوله كما أفهمها ومناهجه.
درست حياة علي طه النفسية، ودرست آثاره الفنية. . . درستهما على طريقتي التي أومن بها وأدعو إليها كلما حاولت أن أكتب عن أصحاب المواهب أو كلما حاول غيري أن يكتب عنهم: مفتاح الشخصية الإنسانية أولاً، ومفتاح الشخصية الأدبية ثانياً والربط بعد ذلك بين الشخصيتين لننفذ إلى أعماق الحقيقة في الحياة والفن ومدى التجاوب بينهما منعكساً على صفحة الشعور المعبر عنه في كلمات.
يستطيع الذين لم يعرفوا علي طه ولم يطلعوا على دخائل نفسه وآفاق حياته، يستطيع هؤلاء إذا لم ينزعوا عن الألفاظ أثوابها النفسية، أو يجردوا الأخيلة من ضلالها المعنوية، أو يفرقوا بين الصور وبين وشائج اللحم والدم. . . يستطيعون إذا لم يلجئوا إلى شيء من هذا كله أن يعرفوه حق المعرفة من خلال شعره! لقد كان شعره مرآة صادقة لهذا الوجود الذي أحاط به، لأنه كان إنساناً صادقاً في صحبته لتلك المرآة. . . لم يحاول يوماً أن يقف أمامها بوجه غير وجهه، ولم يحاول يوماً أن يلقاها بملامح لونّها المساحيق أو اختفت حقيقتها وراء الأقنعة! ما أكثر الذين تخدعك مراياهم من أصحاب الفن حين تفتش فيها عن وجوههم. . . هؤلاء لو قدر ما لي يوماً أن أكتب عنهم لكشفت عن أثر المساحيق في تشويه معاني الحق والخير والجمال، وفي خداع الذين يريدون أن يستخلصوا من السطور وحدها رأياً وعقيدة! هنا أستطيع أن أقول لهم مثلاً إن فلاناً الكاتب أو الشاعر أو القصاص، قد قدم إليكم صورته من خلال فنه كما تريد المثالية في عالمكم لا كما تريد الواقعية في عالمه. . . إياكم أن تدرسوه من صورته المقروءة، بل ادرسوه من صورته المنظورة، ثم