للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هل كان الزهاوي فيلسوفاً؟

للأستاذ محمد رجب البيومي

قرأت المقال الرائع الذي كتبه المستشار الفاضل الأستاذ محمد سالم الخولي عن اثر (الرسالة) في الأدب الحديث، وقد اغتبطت كثيراً بما نم عليه من رأي صائب، وإطلاع دائب، وذوق سليم. وليس ذلك عجيباً، فالأديب يمت إلى القانون بأوشج الصلات وأكدها، فهو عدة المحامي اللسن ينمق به الدفاع، وسلاح القاضي المتمكن يدبج به الحيثيات، ولن ترى فقيها مرموقاً لا يستند إلى بلاغة الحجة وقوة البيان

وقد لاحظت أن الأستاذ يقول عن الزهاوي رحمه الله أنه الفيلسوف الشاعر وليس الشاعر الفيلسوف! وذلك قول تختلف فيه الآراء، ويفسح مجالاً للمناقشة والتعقيب، إذ أن الشاعرية أصل في جميل، قام عليها بناء مجده وخلوده، وكان للفلسفة ظلال خفيفة تتراقص في أبياته ومقالاته، ولكنها لا تصبغ إنتاجه بطابعها الدقيق، فظل الزهاوي طيلة حياته شاعراً يتشوف إلى الفلسفة، وقد يوجد من ينعته بالشاعر الفيلسوف على ضرب من التجاوز يدفع إليه الإطراء والتقدير، وقد يكون هذا مقبولاً جائزاً، أما الذي لا يقبل بحال فهو أن يكون الزهاوي فيلسوفاً شاعراً كما ذكر الكاتب الكبير

وحين نتعرض لجلاء هذه الحقيقة نذكر أن كلمة (الفلسفة) قد فقدت مدلولها الصادق عند كثير من الناس، فأنت تجد من يطلقها على كل مبهم غامض من القول، ومن يقف بها عند البحوث الشائكة التي تتعلق بالقدر والإله وما وراء الطبيعة، كما تجد من يطلقها على الحكم السائرة، أو الأمثال العابرة، حتى جاز أن يكون شعراء الحكم والمواعظ فلاسفة متأملين، ولو علمنا أن الفلسفة هي البحث عن حقائق الأشياء في شتى مناحي الكون، لاتضح لدينا أن كثيراً ممن نزعمهم فلاسفة شعراء، لا يصدق عليهم الزعم في قليل أو كثير

ومن البديهي أن الفلسفة لم تكن - مرة واحدة - علماً - كما يقول الأستاذ مهدي علام - في أساطير القصاص، وشعر الشعراء، وأقوال الحكماء، ثم اجتازت هذه المرحلة على جسر من أنصاف الفلاسفة، حتى وصلت إلى أيدي أساتذة الفكر وسادة العقل البشري فأصبحت ذات مذاهب دقيقة، ومدارس متشعبة تكد الأذهان وترهق العقول

فهل كان للأستاذ الزهاوي مذهب خاص يدعو إليه، ويقيم الأدلة على صحته، حتى يكون

<<  <  ج:
ص:  >  >>