للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[العلوم]

الاشعاع

للدكتور أحمد زكي. وكيل كلية العلوم

الاشعاع من أظهر ظواهر الوجود وأهم حادثاته الدائمة، تجده في المثل الصغير الحقير كما تجده في المثل الهائل الكبير، فالشمعة يحترق دهنها فيشع من احتراقه نور مضطرب ضئيل، يجهد ان يبدد من ظلمة الليل ما استطاع حتى يتبدد هو والنجوم تتوقد في السماوات العلى فتشع فتبعث في القبة الموحشة السوداء روحا وتبعث فيها جمالاً، ويتأجج هذا التنور السيار الهائل تلك الشعلة الدوارة الأبدية التي أسميناها الشمس، فتشع علينا بالنور والدفء، وبالهدى والحياة.

هذه أمثلة للإشعاع معروفة مألوفة، لأن العين تراها ولكنها ليست كل ما في الوجود من ذلك. ففي غير المألوف إشعاعات كثيرة لا تراها العين كشفها العلم. فالإشعاع اللاسلكي مثل حادث قريب الوقوع لا يزال يملأ قلوبنا بالإعجاب، ورءوسنا بالفكر والتأمل والحيرة، ولكنه ليس الا بعضا من كل، ومثلاً من مثل. تحدث ظواهر بينة الخلاف شديدة التغاير، وهي على شدة تغايرها وظاهر تناكرها وتعدد أسمائها حبات في عقد واحد وحلقات في سلسلة مطردة وأفراد من أسرة واحدة، تختلف سمة وتقاسيم ولوناً، ولكن تحت هذا الظاهر المضطرب باطن مستقر تلتقي جميعها فيه، وتتوحد جميعها عنده. ولكل شعاع من تلك الأشعة حكاية رائعة، وأحدوثة جميلة تنطق عن صبر للإنسان لا ينفد، وعن حيلة لا تعرف الخيبة، لا في استكشاف تلك الأشعة فحسب، بل في إلجامها وركوبها وتأنيسها حتى تكون ذلولاً طيِّعاً لا تنفر الا إذا أراد الإنسان منها النِفار، ولا تبطش الا حين يريدها على البطش. تناول السير اسحق نيوتن اظهر انواع الاشعاع بالبحث فأمرَّ أشعة الشمس في منشور ثلاثي من الزجاج، فبدل ان تخرج بيضاء كما دخلت، خرجت خليطا من أضواء عدة ذات ألوان عدة. فأعاد تجربته ثم أعاد فخرج على أن ضوء الشمس الأبيض مزيج من عدة أضواء، أي ان إشعاعها وان ظهر متجانسا خليط من جملة إشعاعات مستقلة الحدوث. وأسمى هذا المزيج بالطيف، فكان هذا هو الحجر الأول في بناء علم الإشعاع الحديث.

وانتقل الإنسان يسأل نفسه بعد ذلك: وكيف تسافر أشعة هذا الضوء؟ قال نيوتن انها تسافر

<<  <  ج:
ص:  >  >>