عرض الغزالي في كتابه (تهافت الفلاسفة) لفكرة البعث عند الفارابي وابن سينا وروى عنهما انهما يقولان باستحالة البعث الجسماني، لأنه لا يمكن في نظرهما إلا على واحدة من صور ثلاث:
الأولى:(أن يقال: الإنسان عبارة عن البدن، والحياة - التي هي عرض - قائمة به). ثم ابطل هذه الصورة أساهم قائلاً:(وهذا ظاهر البطلان، لأنه مهما أنعدمت الحياة والبدن، فاستئناف خلقهما أيجاد لمثل ما كان، لا لعين ما كان).
الثانية:(أن يقال: النفس موجودة، وتبقى بعد البدن، ولكن يرد البدن الأول بجمع تلك الأجزاء بعينها). ثم ابطل هذه الصورة على أساهم قائلاً:(لا يخلو: أما أن تجمع الأجزاء التي مات عليها فقط، فينبغي أن يعاد ألا قطع ومجدوع الأنف والأذن وناقص الأعضاء كما كان، وهذا مستقبح، ولا سيما في أهل الجنة. وان جمع جميع أجزائه ألي كانت موجودة في جميع عمره فهو محال من وجهين:
أحدهما: أن الإنسان إذا تغذى بلحم إنسان وقد جرت العادة به في بعض البلاد، ويكثر وقوعه في أوقات القحط، فيتعذر حشرهما جميعاً لان مادة واحدة كانت بدناً للمأكول وصارت بالغذاء بدناً للأكل ولا يكمن رد نفسين إلى بدن واحد بل لا يحتاج في تقرير هذه الاستحالة إلى أكل الناس الناس، فانك إذا تأملت ظاهر التربة المعمورة أعلنت بعد طول الزمان أن ترابها جثث الموتى قد تربت وزرع فيها وغرس، وصارت حباً وفاكهة وتناولها الدواب فصارت لحماً، وتناولناها فصارت أبداناً لنا، فما من مادة يشار إليها إلا وقد كانت بدناً لا ناس كثير، فاستحالة وصارت تراباً، ثم نباتاً، ثم لحماً، ثم حيواناً.
والثاني: أنه يجب أن يعاد جزء واحد، كبداً وقلباً ويداً ورجلاً، فأنه ثبت بالصناعة الطبية أن الأجزاء العضوية يتغذى بعضها بفضلة غذاء البعض، فيتغذى الكبد بأجزاء القلب، وكذلك سائر الأعضاء.
الثالثة: (إن يقال: المعاد هو رد النفس إلى بدن أنساني، من أي مادة كانت، وأي تراب اتفق). ثم ابطل هذه الصورة على لسانهم قائلاً: (وهو محال من وجهين: