(قمة من القمم الشوامخ في أدب هذه الدنيا قديمه وحديثه)
للأستاذ محمود الخفيف
خيوط من النور
وبطل هذه القصة التي هي في الواقع مجموعة فصول أقوى مثال للصعلوك الذي لا يكترث لشيء والذي لا يتأثم من شيء، والذي يرضى كل الرضاء عن أعماله جميعاً لا يشعر بأي أثر في نفسه مما يسميه الناس وازع الضمير؛ وفكرة القصة الرئيسية التي تدور حولها حوادثها هي أن هذا الصعلوك المسمى شيشكوف قد اعتزم أن يشتري من ملاك الضياع من يموت من رقيق الأرض قبل أن يسجل في سجل الموتى اسمه، لكي يرهن هؤلاء للمصرف على أنهم أحياء ويربح من وراء ذلك ربحاً كبيراً؛ وينتقل من مالك إلى مالك يتواطأ معهم على الإقرار بوجود هؤلاء الرقيق، وفي أثناء ذلك يصف المؤلف حال هؤلاء التعساء الذين يقول عنهم إنهم لا يحيون كما يحيا الخلق وإنما يوجدون فحسب! وكان هؤلاء الرقيق يسمون في روسيا وقتذاك الأنفس وكان الواحد يسمى نفساً، فإذا سأل أحد الملاك صاحبه عن عدد رقيقه قال له كم نفساً تمتلك، ومن هنا جاء اسم القصة (الأنفس الميتة)؛ والقصة مليئة بتلك السخرية القاسية وذلك الضحك الشيطاني الذي يتميز به فن جوجول. . .
ونشر جوجول في نفس الوقت الذي نشر فيه (الأنفس الميتة) قصة كان لها أثرها في النفوس؛ وهي ثالثة ما أشرنا إليه من قصصه، ألا وهي قصة (العباءة) أو (المعطف) أو يؤدي معنى الرداء الخارجي الذي يلبس فوق الملابس جميعاً اتقاء للبرد، وخلاصة هذه القصة أن أحد الكتبة الفقراء وهو شيخ ضعيف كانت أعظم أمنية له أن يشتري معطفاً، فما زال على خصاصته يقتصد من ماله القليل حتى اشترى المعطف المنشود، ولكنه مُنى في أول يوم فرح فيه بمعطفه بفتية من صعاليك الشوارع سرقوا منه المعطف فقضى نحبه من فرط غمه ويأسه، والقصة على بساطة موضوعها تصف البؤس والشقاء وسوء الحظ أقوى