للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تصوير وأصدقه. . .

ولجوجول كما أسلفت القول غير هذا الذي ذكرت كثير من القصص الطويلة والقصيرة والمسرحيات والنبذ الوصفية وما إليها وإنما اخترت هذه القصص الثلاث لأنها أكثر صلة بما نريد بيانه وأعني به كيف عبر أدباء الروس بالفن عن ثورة نفوسهم المكبوتة

وهكذا كان بوشكين وجوجول ومن دار حولهما من النوابغ يلقون على الأفق الحالك في حكم نيقولا الأول خيوطاً من النور كانت لأنفس الأحرار أنساً وشفاء وعزاء. . .

بقيت بعد ذلك كلمة عن تيارين فكريين قوى ظهورهما في عهد نيقولا وأعني بهما المدرسة الشرقية والمدرسة الغربية، أو بعبارة أخرى الاتجاه نحو أوربا والإبقاء على سلافية روسيا. . .

وكانت المدرسة الشرقية أو السلافية تؤمن بان مدنية روسيا غير مدنية أوروبا، وأن على الروس أن يحذروا مادية الغرب الوضيعة وأن يعودوا إلى تلك الجماعات التعاونية التي أقامها السلاف الأقدمون في قرى روسيا؛ وكانت قادة هذه المدرسة يعتقدون أن بطرس الأكبر لم يخدم روسيا بقدر ما أساء إليها بمحاولته صبغها بالصبغة الأوروبية، وكذلك كان أنصار السلافية يعدون الغرب في طور انحلاله لأنه بعد عن الجانب الروحي من الحياة، ذلك الجانب الذي اتصفت به روسيا السلافية والذي يجب أن يعيده الروس اليوم سيرته الأولى فينعموا بالإيمان والمحبة والتعاون فيما بينهم، ثم يذيعوا هذه المبادئ حتى تشمل الإنسانية جميعاً فيكون ذلك رسالة روسيا إلى العالم.

أما أنصار المدرسة الغربية، فكانوا يعزون ما في روسيا من شقاء العيش وطغيان الحكام إلى عزلتها عن أوربا وفلسفة أوربا وعلم أوربا. فإذا أرادت روسيا أن تخرج مما هي فيه فعليها أن تأخذ بمدينة أوربا في كل شيء فهذا سبيلها الذي لا سبيل لها غيره.

ومهما يكن من خلاف بين المدرستين فقد أفادت روسيا من دفاع كل منها عن وجهتها، وكانت لها من خلافهما يقظة، وبخاصة لأن هؤلاء المختلفين قد اتفقوا على أمر جوهري وذلك أنه في أي الوضعين لا يرجى لروسيا خير إذا أسلم أمرها إلى رجل واحد يستبد فيها بالأمر، ويصرف شؤونها كما لو كانت ضيعة من ضياعه.

هذه لمحة في الحال الأدبية في روسيا حتى أواخر حكم نيقولا الأول أي حوالي سنة ١٨٥١

<<  <  ج:
ص:  >  >>