للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عندما بدا الفتى ليو تولستوي يتجه في جد إلى الأدب ليغدو بعد أمد غير بعيد أعظم كتاب القصة في القرن التاسع لا في روسيا وحدها بل في أوروبا جميعاً.

هجرته إلى القوقاز

كان لابد للفتى من هجرة إلى بلد ما، فقد ضاقت نفسه بيسنايا وبموسكو وببطرسبرج جميعاً، ومل حياته بين العبث والإسراف فيه والندم والركون إليه حتى لم يعد يطيق شيئا من هذا، بل إنه لم يعد يصبر حتى على التفكير فيه. . .

واتفق أن جاء من القوقاز أخوه الضابط نيقولا إلى يا سنايا في إجازة عيد الميلاد فنصح لأخيه نصحه في كثير مما كان يشغل باله، ومن ذلك أن يدع الزواج حتى يطمئن إلى ارتباطه برباط الحب ثم حبب إليه أن يصحبه إلى القوقاز فما أسرع ما أخذ ليو برأي أخيه وتأهب للرحيل. . . واتفقت الأسرة أن يصرف زوج أخته أمور ضياعه في غيابه وأن يدفع عنه ديونه وذلك على أن يقنع ليو بخمسين ومائة جنيه كل عام حتى يؤدي الدين كله، وقبل ليو هذا الشرط وسافر في صحبة أخيه. . .

ووقفت بهما العربة عند أول محطة على بعد أربعة عشر ميلا فما راعه إلا كلبه الأسود المحبوب قد أقبل يلهث من شدة الحر ومن سرعة العدو حتى لحق به، وعلم بعد ذلك أنه كسر لوحا من زجاج إحدى نوافذ الغرفة التي كان محبوسا بها وانطلق يعدو ليدركه لأنه لا يطيق أن يرحل عنه.

ويذكرنا هذا الرحيل برحيل (تشايلر هارولد) أو اللورد بيرون حين اضطر إلى مغادرة انجلترة إذ ضاق بها وضاقت به بعد أن أسرف على نفسه فيما أنكره المجتمع منه، وقد وجه بيرون الخطاب إلى كلبه في أول قصيدته التي وصف فيها رحلته يقول إنه لا يجد من يأسف على رحيله حتى كلبه هذا فلسوف ينساه وينكره حتى ليثب عليه ويعضه إن قدر له أوبة من غربته. .

كانت رحلة بهيجة سارة، فقد قطعا جانباً منها إلى استراخان في زورق على صفحة الفلجا، وقد عرجا على موسكو وقازان وقضيا بضعة أيام في كل من المدينتين، وكتب ليو من موسكو إلى عمته تاتيانا يخبرها في لهجة الفخر أنه استطاع أن يقهر نفسه حين زار ناحية الغجريات، ويصف لها مقدار ما بذل من مغالبة منه لنوازع نفسه حتى أمكنه أن ينتصر بعد

<<  <  ج:
ص:  >  >>