هذا صاحبي انضم على أشجانه حيناً من الزمان، يكتم الأسى جوانحه ويدفن الضنى بين ضلوعه حتى أثقله الهم وأرهقه الوجد، فجاء ينثر عبرات قلبه بين يديك علك تسمع فيها أنات روحه الحزينة أو تحس وجيب فؤده الكسير، فتلقحك حرقة اللوعة أو تهزك سفعات الضيق، فتهديه آلة الرأي الذي عزب عن فكره وتبصره بالصواب الذي ند عن عقله. فهل تعينه رأي منك فيه العقل والصواب؟
كامل
قال لي صاحبي (. . . وانطوت الأيام فإذا أنا إلى جانب فتاتي القاهرية - مرة أخرى - أبثها لواعج الهوى، وأشكو إليها حرق الغرام: ثم ما لبث أن سميت على خطبتها فتزوجتها. ووقف أبي إلى جواري ليلة الزفاف - وقف كارهاً، وهو ينفضني بنظرات فيها الألم والحسرة، فاضطراب قلبي وتزعزعت سكينتي، ورحت أنظر إلى وجه أبي في خلسة وقد كسته غلالة من الهم والضيق، فما راعني، إلا عبرات حائرة في عينيه ما استطاع أن يكفكفها، فانفلتت من بين محجريه. . . انفلتت لتهوى على كبدي كأنها جمرات متقدة يتلظى وهجها فتنفث في الحيرة والقلق، وتستل البشر من قلبي وتستلب الفرح من فؤادي. واستحالت حالي - في لمحة واحدة - فبدأ لي هذا المهرجان كأنه ينضم على جماعة من السخفاء يسخرون من غفلتي وحماقتي، وتراءت لي تلك الأنوار كأنها تسطع حوالي لتكشف للناس عن غباوتي وجهلي. وخيل إلى أنني صنعت هذه البهجة الفوارة لينعم بها أخلاط من الناس، ولأظل أنا وأبي في منأى عنها، يعاني هو سفعات أفكاره المضطربة وأقاس أنا عنت الخاطرة السوداء التي أرثتها في نفسي عبرات انتقلت غضباً من بين محجري أبي الشيخ.