من الشعراء النظامين شاعر أسمه (مروض القردة) ووجه الشبه بين كل منهما أن هذا يكره الألفاظ والمعاني علة الخضوع، وقد تألبت عليه، فيأخذها مرة بالحيلة، ومرة بالعنف، حتى يتمكن من استخدامها راضية أو غاضبة، طائعة أو كارهة؛ وذاك يكره القرود على الخضوع كذلك، وقد تشق عصا الطاعة، وتخرج على إرادته، ولكنه يروضها أيضاً، تارة بالحيلة، وأخرى بالعنف، حتى يتمكن من استخدامها راضية أو غاضبة، طائعة أو كارهة، وكلتا الطريقتين صنعة لا تمت إلى الفن الخالص بصلة.
فإذا آمنت بأن هذا الشاعر - إن صح اعتباره شاعراً - قادر على النظم من كل بحر، ومن كل قافية، وفي كل مناسبة، وفي كل غرض، حسبما تقتضيه المنفعة، كمدح من يمنح، وهجاء من يمنع. . فلست مؤمناً بأنه يحس حين ينظم، وإن أحس فإنما هو إحساس بينه وبين نظمه تباين تام!
وإن آمنت بأن الإنسان يخضع القرود ويستخدمها ويروضها على ألعاب عجيبة، فلست مؤمناً أبداً بأن القرد يحب من يروضه، ولا بأن العلاقة بينهما طيبة، بل إنني أخشى على هذا الإنسان الجريء، من غدر القرد المسكين الذي حكم عليه الزمان، ووقع في حكم بني آدم! ولا شك في أن الوحشية كامنة في دمائه، وإن خدع إنساناً محدود التفكير بأنه يشبهه شكلاً ولا يختلف عنه إلا قليلاً!
ومروض قرود الألفاظ والمعاني ظلم نفسه، إذ حشرها في زمرة الشعراء، وغش نفسه بما يقدمه إليهم على أنه شعر، وما هو من الشعر غلا في أنه كلام موزون مقفى!
وكثيراً ما أرثي له إذا رأيته، وقد أكد العزم على نظم قصيدة عاجلة مستعجلة، محدودة الموضوع والزمان والمكان. . . بتكليف لا ينقذ من التكلف، ولا يعفى من قول نعم. . .
وقد يكون الشاعر في هذا الظرف معكر المزاج لسبب ما، والأسباب ما أكثرها! ولكن ما للناس وهذه الأسرار التي قد يحرص على إخفائها، ويضن بالبوح بها. . .
إن المزاج غبر رائق، ومرآة الذهن ليست صافية، هذا هو الأمر الواقع. ولكن لا بد من