حيرة الشباب، أو محنة الشباب، أو مشكلة الشباب، قضية من قضايانا الاجتماعية التي تشغل الأذهان، وما أحراها أن تشغل الأقلام. . . ولقد عرضت هذه القضية في ساحة زميلة صباحية كبرى منذ أسبوعين أو يزيد، ثم عقب عليها قلم واحد، ثم طويت القضية في بلد كل ما فيه يطوى، ونسيت في وطن كل ما فيه ينسى، وكأن الكتاب والمصلحين في مصر قد يئسوا من جدوى الكتابة حين لم يجدوا أذنا تسمع، فمضوا في طريقهم لا يلتفتون. . . ولا يعرجون!
قالت (الأهرام) وهي تعرض لحيرة الشباب باحثة عن دوافع المشكلة وأسباب المحنة: (أية مثل أو قيم أخلاقية يسعى إليها الشباب في بلادنا؟ هذا هو السؤال الذي يدور بأذهان الجميع اليوم، ويحتارون في الجواب عليه، والشباب أعظم حيرة، فإنهم يرون حولهم من الأحداث والحوادث ما هز في نفوسهم كل ما أستقر فيها من مثل وأفكار وقيم، وهذا هو أخطر ما يصيب شباب بلد من البلاد، أن تبهت في نفوسهم ألوان الأشياء، وتضعف في قلوبهم جذوة الحماسة، ولمعة الانطلاق! إن الشباب يرون حولهم قيم الأخلاق تضعف وتضطرب، والسباق من أجل المال والجاه والنفوذ يملأ العقول والإفهام والصدور، ويدمر في سبيلها كل ما هو جليل وسام وأخشى ما نخشاه أن يعديهم هذا السباق، فيحسبوا أنه المقصود بكل ما في الحياة من مثل وقيم وأخلاق. فعلى من تقع التبعة وكيف يكون إعداد شبابنا للمستقبل الذي نرجوه لبلادنا؟
إن الجيل الذي نشأ في سنة ١٩١٩ وما قبلها وما تلاها بقليل كانت تسيطر عليه مثل وتجذبه أهداف وتغريه تضحيات. . . كان جيلاً كله إيمان وصبر ورجاء، لم يكن عبد الشهوات ولكنه كان عبد المثل العالية والوطنية الرفيعة. فما هي مثل جيلنا؟ ما هي المثل التي تستهوي شباب سنة ١٩٥٠، وأية مثل يرونها وأية تضحيات تقر في نفوسهم قيماً عالية لحياتهم كأفراد وحياة بلادهم كمجموع، وحياة العالم كامتداد لحياة الإنسانية جمعاء؟
هذه هي المشكلة الحقيقية وهي مشكلة الجيل كله. . . أين المفكرون والباحثون والدعاة بعهد جديد؟ أين الرواد في حقل التقدم والنظر في المستقبل؟ لكل جيل رواده وأفكاره ومثله، فأين رواد جيلنا وأفكاره ومثله؟ هل نحن أمة ترسم مستقبلها وتعبئ قواها وترسل طلائعها، أم أننا أمة نعيش بالصدفة وللصدفة، تنتظر من الحوادث أن تهزها وتنفي عنها البلادة