(إن صنعة الحرب تنحصر في الهجوم بقسوة المستضعف على من هو أقل منك عدداَ وعدة، وفي التهرب من لقاء الند. والسر في النجاح الحربي هو أن تتحايل على الخصم: تنصب له الفخاخ وتمد له الأحابيل؛ فإذا تعثر أو كبا، انقضضت عليه بلا شفقة انقضاض الغادر. ولكن إياك إياك من مجابهته وهو منتصب على قدم الاستعداد!) كلمات لاذعة ساخرة. . . ولكنها من صلب الحقيقة. القائد الناجح هو ذلك الذي يخادع ثم يقاتل، ويراوغ ويخاتل ثم ينقص بتلك الأساليب الملتوية، والحيل الماكرة، والطرق المتعرجة المنثنية، حيث الدهاء والفطنة متآلفان، والخبث والذكاء متعاونان
ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، وانتقل ذلك الفن العريق من أفقه الشاسع الفسيح، أو قل من جحيمه العميق، إلى حيز ضيق محدود: فالتجنيد الإجباري قد أعطى الدول المقدرة على تغطية كل شبر من أراضيها المتاخمة لحدود الأعداء، فأصبحت الجيوش متجابهة، ولزم عليها صراع الخصم صراع الند للند، والقريع للقريع، كما حدث في الميدان الغربي أثناء الحرب الماضية.
تضاءل مجال مناورات الاستراتيك، ولم يجد القواد فرصة للالتفاف حول الأجناب، وليس هناك أجناب، وحاروا في كيفية الإغارة على المؤخرات، دون الاضطرار إلى اختراق الواجهات، بل وكيف يكون الاختراق وقد أعطت الأسلحة الآلية التفوق المطلق لمواقع الدفاع؟
إن الحرب بأساليبها وخططها ورجالها وعدتها ترتكز على ركنين أساسيين: قوة النيران، وسرعة الحركة. وما الهجوم إلا الحركة صوب العدو، وما الدفاع إلا محاولة وقف تلك الحركة بالنيران المحكمة التصويب. وهذه الأخيرة هي التي كانت أسبق إلى التحرر من قيود الطاقة البشرية، حين تحولت إلى قوى الطبيعة تستمد منها القدرة على الفتك، فلم تعد السواعد هي التي تلوح بالرماح أو تطعن بالسيوف، بل أصبحت المفرقعات هي قوتها