للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[د. هـ. لورنس]

للأستاذ عبد الحميد حمدي

مقدمة

أمل ويأس: في هاتين الكلمتين يتلخص تاريخ القرن التاسع عشر والجزء الأول من القرن العشرين. كانت تقوم الحركة تلو الحركة، وفي كل مرة ينبعث الأمل ويظن الناس أن الحياة قد بعثت من جديد وأنهم صاروا قاب قوسين أو أدنى من السعادة الإنسانية، ولكن سرعان ما تذوي الحركة وتموت، فيتحول الأمل يأساً، وينقلب النعيم بؤساً، وتحل الحسرة محل السرور، ويأخذ الألم مكان اللذة، وبذلك تقتم الحياة وتظلم أكثر من ذي قبل حتى لا تبشر بعد ذلك بخير

ففي مستهل القرن التاسع عشر قامت الحركة الصناعية، فهلل الناس وكبروا استفاقوا كأنهم من كابوس مريع. ولكن لم تلبث هذه الحركة أن خلّفت أضعاف ما كان موجوداً من بؤس وشقاء، فازدحمت المدن حتى ضاقت بسكانها وتوزعت الثروة ولكن توزيعاً غير عادل؛ فكان من جراء ذلك أن مال الناس عن هذه الحركة وتعلقوا بأهداب حركة أخرى ناشئة هي الحركة العلمية التي قامت نتيجة للمستكشفات العلمية والمخترعات الحديثة؛ فأّمل الناس فيها واستبشروا بها حتى صدمتهم الحقيقة المرة وتبينوا أن العلم قد يعطي الإنسان قوة فوق قوة ولكنه لا يهبه السعادة ولا الهناء

وعلى أثر يأس الناس من هذه الحركة ناصروا الحركة السياسية التي قامت تحت زعامة جلادستون أملاً في أن الدعوة إلى الحرية وإلغاء الفوارق بين الطبقات والتخلص من امتيازات الطبقة العليا هي سبيل السعادة المنشودة. ولكن ما كاد عميد الحركة يقضي حتى قضت الحركة إلى جواره، ثم أتت هزيمة فرنسا في الحرب السبعينية فكانت ضغثاً على إبالة وكالت الضربة القاضية للحركة لأن فرنسا كانت نصيرة الحرية ورمزاً لها في ذلك الوقت

وبهذه الطريقة بلى الإنسان باليأس المرة بعد المرة حتى نضب معين أمله، وزال عنه تفاؤله، وصار لا ينظر إلى الحياة إلا بمنظار أسود، بعد أن تبين له أنه إنما يحارب عدواً لا قبل له به، وأنه قد كتبت عليه الهزيمة مهما قاتل ومهما استبسل. لذلك رأى أن لا مفر له

<<  <  ج:
ص:  >  >>