ذهب الأستاذ عبد العزيز باش فهمي مذهباً عجباً في نقد محاضرتي اللتين نشرت خلاصتهما في مجلة (الثقافة)، بعد أن حشر ما حشر من الكلم الجافي الذي ذكرت نبذة منه في المقال الأول، وإجمال هذا المذهب العجيب أنى كلما ذكرت مقدمة يقتضيها سياق الكلام قال هذا أمر معروف، وكلما عرضت لمزية من مزايا الخط العربي إيفاد لبحثي في (الخط العربي مزاياه وعيوبه) قال هذا ليس في الموضوع. فالموضوع في رأي الأستاذ هو الاعتراف بقصور الخط العربي وسقمه والعدول عنه فوراً إلى الخط اللاتيني. هذا هو الموضوع، فمن جادل فيه فقد حاد عن الموضوع.
بينت حاجة البشر إلى الإبانة عما في أنفسهم، ونقلت جملة من كلام الجاحظ في هذا. فقال الأستاذ:(آمنا وصدقنا، لا لأن الجاحظ أو غير الجاحظ قاله. بل لأن هذا ضرورة ماسة واقعة يدركها كل إنسان، سواء أرادها الجاحظ وغيره أو لم يريدوها. . . وليس هؤلاء المفكرون إلا مجرد مسجلين للواقع المقضي بالضرورة. وهذا التسجيل أستطيعه أنا وأنت وكل عالم متمكن وكل ناقصي التعليم. الخ). ولست في حاجة إلى أن أدحض هذا الرأي فهو داحض بنفسه
وبينت تاريخ الخط في العالم وتسلسل الخطوط من الخط الفينيقي إلى الخط العربي، فاستبان أن الأصل القريب للخط العربي هو الخط النبطي. فقال الأستاذ:(وهو تقرير يستطيعه كل إنسان يعرف لغة أجنبية فيطلع على معجم من معاجمها المطولة. الخ).
أفكان حتما علي أن أترك هذا الحديث وأحذف مقدمة لابد للبحث منها من أجل أن كل إنسان يعرف لغة أجنبية يستطيعه؟ وهل من الحق أن كل من عرف لغة أجنبية استطاع أن يكتب في هذا الموضوع. إن الأستاذ يكلف الناس علمه وذكاءه فيكلفهم شططاً
وقلت إن الخط العربي خط أمم منتشرة في أصقاع مترامية، وأن هذه الأمم على اختلاف لغاتها، أخذت هذا الخط فزادت فيه ما احتاجت إليه وأحكمته وجملته. فقال سعادة الأستاذ: (وهذا التقرير معروف الموضوع عند الجميع. . . فهو هنا مجرد حشو وتزيد لا غناء