استرق إلى نفسي خاطر أن أنطلق بروحي إلى العالم فانطلقت، لم تحدث حركة في الواقع. وإنما كان يكفي أن يتجه فكري إلى شيء حتى أجده ماثلاً أمامي. بل الواقع أعظم من ذلك؛ فقد صار بصري شيئاً عجباً؛ لا يعصى أمره شيء، صار قوة خارقة تشق الحجب وتتخطى السدود، وتنفذ إلى الضمائر والأعماق. بيد أني - وقد حم الوداع - نازعني الفكر إلى أهلي. فوجدت نفسي في داري. أما الصغار فقد راحوا في نوم عميق لا يزعجه مكدر. وأما زوجي وأمي فقد افترشتا الأرض، ولاح في وجهيهما الهم والغم. لشد ما أعياهما الحزن والبكاء! وغدا يتضاعف حزنهما عند تشييع التابوت إلى مثواه الأبدي. وقد تغلغل روحي في فؤاديهما فتحرك رأسهما وتمثلت لهما في الأحلام، ورأيت القلبين المحزونين يخفقان في كمد وألم. فيم كان كل هذا الكدر؟! بيد أن شيئاً استرعى بصري! رأيت في سويداء القلبين نقطة بيضاء. فعرفتها - فما عاد يخفى علي علم شيء - فهي بذرة النسيان! آه. . . ستكبر هذه النقطة وتنتشر حتى تشمل القلب كله. أجل أدركت هذا حق الإدراك، ولكن بغير مبالاة فلم أعد أكترث لشيء. وتساءلت مسوقاً بلذة المعرفة متى يمكن أن يحدث هذا؟! فأرتني عيناي العجيبتان صورة من المستقبل: رأيت أمي تمسك غلاماً بيمناها وتشق طريقها وسط زحام شديد ملوحة بزهرة اللوتس. فعلمت أنها خرجت - أو أنها ستخرج - للمشاركة في أسعد أعياد قريتنا، عيد الإلهة إيزيس. كان وجهها متهللا كان ابني يهتف ضاحكاً. ورأيت زوجي تهيئ مائدة - والطعام خير ما تصنع في دنياها - وتدعو إليها رجلاً أعرفه، فهو ابن خالها ساو. ونعم الزوج هو. ولو أن ميتاً يسر لسررت لها، لأن ساو رجل فاضل، وهو خير من يسعد زوجي ويرعى أبنائي. وانصرفت روحي عن داري. فمرت في سبيلها بقصر أميري المحبوب، فشاهدت عقل الأمير ووجدته متأسفاً لفقدي وهو الذي قدرني أجمل التقدير وجازاني خير الجزاء. ووجدته مشغولاً باختيار خلف لي فقرأت في ذاكرته أسم المرشح الجديد (آب رع) وكان من مرؤوسي النابهين وإن لم تتصل بيننا أسباب المودة. كل هذا جميل. ولكن إلام أبقى في قريتي واليوم يستقبل فرعون رسول الحيثيين لتوقيع