للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الجانب الصوفي في الفلسفة الإسلامية]

للدكتور إبراهيم بيومي مدكور

مدرس الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب

تتمة

- ٦ -

وقبل أن نختم بحثنا هذا نقول كلمة مختصرة في أثر هذه النظرية في الفلسفة المدرسية اليهودية والمسيحية، وفي بعض فلاسفة العصور الحديثة، وفلسفة اليهود في القرون الوسطى، أو بعبارة أدق الدراسة اليهودية الفلسفية في ذلك العهد هي في الواقع صدى للفلسفة الإسلامية، واليهود هم خلفاء العرب على تراث أرسطو والفلاسفة الآخرين، وقد فازت الفلسفة على أيديهم منذ القرن الثالث عشر الميلادي فوزاً عظيماً، وأضحوا أنصارها طوال القرون الثلاثة التالية حين خذلتها الشعوب الأخرى، فأخذوا الأفكار العربية أو المعرَّبة ونقلوها إلى لغتهم وتدارسوها فيما بينهم، وتتلمذوا لفلاسفة الإسلام تلمذة صادقة مخلصة، ودون أن نستقصي هنا كل مفكريهم نكتفي بأن نشير إلى شيخهم الأعظم وأستاذهم الأكبر موسى بن ميمون الذي يعد بحق الممثل الأول للفلسفة اليهودية المدرسية، وإذا ما ذكر ابن ميمون ذكرت الفلسفة الإسلامية على الفور، فقد اعتنق كل نظرياتها تقريباً، وصادفت نظرية السعادة بوجه خاص من نفسه هوى، ووجد فيها مجالاً فسيحاً للتوفيق بين الفلسفة والدين، فهو يعتقد أن البحث والثقافة سبيل الكمال الإنساني، وأن العلم هو العبادة الحق التي يستطيع العبد التقرب بها إلى ربه وكشف الحقائق الغامضة؛ وكلما أمعن الإنسان في الدراسة والنظر كلما ازداد قرباً من ربه، ويشبه ابن ميمون الخالق والخلق في رتبتهم المختلفة بملك عظيم يسكن قصر منيفاً في مدينة كبيرة، وسكان هذه المدينة بين المعجب بهذا القصر المصوب النظر إليه، والغافل عنه المعرض عن جماله وجلاله، ومن فتنوا به قد يدفعهم الشوق إلى السعي نحوه والطواف حول جدرانه الفخمة، وربما اقتحموا عتبته وانسابوا إلى حدائقه وأفنيته الملأى بالأزهار والرياحين والمناظر البهجة، ومنهم من يقنع بهذه الغاية ولا يطلب وراءها مزيداً، وذوو النفوس السامية والهمم العالية يأبون إلا التشرف

<<  <  ج:
ص:  >  >>