سلسلة محاضرات ألقاها في فيينا الأستاذ محمد جمال الدين
حسن
الرموز في الأحلام:
رأينا أن التحريف الذي يعوقنا عن الفهم الصحيح للأحلام ينشأ عن النشاط الذي تبذله الرقابة للتغلب على الدفعات اللاشعورية لرغبات لا تقرها الذات، بيد أننا لم نجزم بأن الرقابة هي العامل الوحيد المسئول عن التحريف؛ والواقع أن دراسة أخرى للأحلام ترينا أن هناك عوامل غيره تشترك في هذا التأثير، بمعنى أنه حتى على فرض أن الرقابة رفعت عن الأحلام فإننا مع ذلك لن نتمكن من الوقوف على معناها ولن يأتي المحتوى الظاهر مطابقا للمحتوى الباطن.
وهذا العامل الآخر الذي يتسبب في غموض الأحلام والذي يساعد على زيادة التحريف، يتجلى لنا عندما نلاحظ أن هناك ثغرة في طريقتنا التي استخدمناها في التفسير. فقد سبق أن سلمت لكم بأن هناك حالات قد لا يجد فيها الأشخاص الذين نحللهم أفكارا مترابطة لديهم لبعض عناصر الحلم. ومن المحقق أن هذه الحالات لا تقع بالكثرة التي يزعمونها ففي معظم الأحيان قد نتمكن من الوصول إلى تبيان الأفكار المترابطة بالكد والمثابرة، ولكن هناك مع ذلك بعض حالات معينة يخفق فيها الترابط إخفاقا كليا، أو نجد أن الشيء الذي نستخرجه أخيرا بالعنوة ليس هو ما نحن في حاجة إليه. وهذه الحالة عندما تقع أثناء العلاج بالتحليل النفسي فأنها تدل على مغزى معين لا يهمنا فيما نحن بصدده هنا؛ ولكنها تقع كذلك في أثناء القيام بتفسير أحلام الأشخاص العاديين أو عندما نقوم بتفسير أحلامنا الخاصة. فإذا اقتنعنا في مثل هذه الحالات بأنه لا فائدة ترجى من الحث والإلحاح، فإننا قد نكتشف أخيرا أن هذه الحالات المتشابهة تظهر على غير ترحيب منا كلما كانت بعض العناصر الخاصة تحت الاختبار؛ ومن ثم نبدأ في إدراك أن هناك قاعدة جديدة تعمل عملها بينما كنا نظن في مبدأ الأمر أننا صادفنا فقط حالة شاذة أخفقت فيها طريقتنا في التفسير.