طبائع الإنسان ومواهبه متماثلة حيثما حل من بقاع الأرض، ومجتمعاته متشابهة الظواهر أينما قامت. تتشعب بين أفراد كل مجتمع إنساني عوامل التعاون والتنافس والتحاب والتباغض والمطامع والمخاوف، غير أن للبيئة أثرها في تشكيل المجتمع الإنساني الذي تحيط به، بما تعرض أمام أبصاره وأذهانه من مناظر ومسائل تحجب عنه غيرها، وما تفرض عليه من أعمال يمارسها دون سواها، ويكون لهذا وذاك أثره البين في لغة المجتمع وأدبه، مقروناً إلى أثر الطبائع والمواهب التي تشترك فيها الأمم جمعاء.
فللبيئة في أدب كل لغة ثلاثة آثار بعيدة المدى: فهي أولاً تؤثر في مبنى اللغة وأصواتها وألفاظها وتعابيرها وتشبيهاتها ومجازاتها وأمثالها السائرة وحكمها المتواترة، فكل ذلك منتزع من طبيعة الإقليم؛ وهي ثانياً تؤثر في مهن المجتمع وعلومه وفنونه وعمرانه وينعكس كل ذلك في مرآة الأدب؛ وهي أخيراً تعرض دائماً أبداً أمام أنظار الأدباء وحواسهم مناظر طبيعية بذاتها، تسترعي انتباههم وتستجيش نفوسهم وتلهمهم كل ما تجود به قرائحهم في باب عظيم الخطر من أبواب الأدب هو باب الوصف الطبيعي.
وأثر البيئة في الأدبين العربي والإنجليزي واضح وضوحاً شديداً يكاد لروعته يخفي أثر الطبيعة الإنسانية التي تشترك فيها الأمتان ويتفق عندها الأدبان، فإن تباين البيئتين تبايناً شديداً أدى إلى اختلاف اللغة والمهن والعمران والمناظر في المجتمعين، وأدى بالتالي إلى اختلاف أشكال الأدبين وصورهما ومواضيعهما وأساليبهما؛ ويمكن إيجاز التعبير عن الفرق بين الأدبين بالقول بأن أحدهما شب في بيئة صحراوية والآخر ترعرع في بيئة بحرية.
نشأ العرب في البادية فجاءت لغتهم مشرقة الديباجة متينة البناء قوية التعبير غنية الاشتقاق منتظمة أوزان الشعر متعددتها وحفلت بأسماء ظواهر الطبيعة البرية وحالاتها، وأسماء حيوان البادية وأطوار حياته، واشتقت تشبيهاتها ومجازاتها وأمثالها من القمر والنجوم والكثيب والقطا، والمُنبتِّ الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وورود الماء بماء أكيس، وإلقاء الحبل على الغارب. ولعدم ملاءمة البادية لغير الأدب من الفنون عظمت مكانته