لخص العالم الفاضل الأستاذ أحمد أمين ما بيننا من خلاف على مسألة النبوغ والبطولة في ختام مقاله فقال:
(عصرنا الحاضر طابعه طابع المألوف والمعتاد لا طابع النابغة والبطل، وإن كان مألوفنا ومعتادنا أرقى من نابغة القرون الماضية وبطل القرون الماضية
(أن كان هذا - يا أخي - هو الذي أردتُ فأظن أنه لا يرد علي بمزايا العصر الحاضر، وعلم العصر الحاضر، وفن العصر الحاضر. وإذا كان النبوغ في السبق وكانت المقارنة بين عصرين بقياس مسافتي البعد، فأرجو أن نكون على وفاق فيما ذكرتَ وذكرتُ)
وموضع الوفاق بين ما قال الأستاذ وما قلت أننا لا ينبغي أن نقيس علم السابقين إلى علم المحدثين، فليست المقارنة بين مقدار ما نعلم ومقدار ما يعلمون، وإنما المقارنة بين الملكات في الزمن الماضي، والملكات في الزمن الحاضر، وهذا ما نختلف عليه؛ إذ لا موجب عندي لأن تكون ملكات النابغين في عصرنا أقل مما كانت في عصر الأقدمين
إن النبوغ صفة في أصحابها وليست صفة في غيرهم، فإذا تعلم غير النابغين أو لم يتعلموا فصفة النبوغ باقية في أصحابها سواء ظهروا بين المتعلمين أو ظهروا بين الجهلاء. وكل ما هنالك من فرق أن النابغة الذي يظهر بين المتعلمين أنبغ من زميله الذي يظهر بين الجهلاء، وتلك شهادة للنابغين في العصر الحديث تضاف إلى ميزان الحسنات والمرجحات
ومسافة البعد بين النابغ القديم ومعاصريه، هي مسافة البعد بين نابغينا وأبناء عصرنا إذا نحن تجاوزنا مسألة التعليم ووفرة المتعلمين، لأن النبوغ ملكة مطبوعة، والمسافة بين المطبوعين وغير المطبوعين اليوم هي هي المسافة بين الفريقين قبل مائة عام أو ألف عام. فليس فضل إديسون في زماننا أنه يعرف في علم الضوء وعلم الصوت ما ليس يعرفه أبناء عصره، ولكنما فضله أنه نابغ وهم غير نابغين، فأفاد بالعلم اليسير ما لم يفده الآخرون بالعلم الغزير، وظلت المسافة بينهم وبينه في النبوغ كالمسافة بين أرخميد ومن عاصروه من غير النابغين، وإن أختلف العصران في شيوع العلم وكثرة المتعلمين
يقول الأستاذ الفاضل: (مقياس النابغة في نظري أن يفوق أهل زمانه ويسبقهم في فنه أو