(هذه فقرات من مقالة لم تكتب اليوم ولا عقب الحرب الثانية
ولا عقب الحرب الأولى. ولكن كتبت قبل ذلك كله، كتبها سنة
١٩١٢ الأستاذ العلامة محمد إسعاف النشاشيبي في حديث له
مع صديق شكا إليه ما كانت البلاد العربية عليه يومئذ، وبين
له أن لا أمل إلا بالدول الأوربية وحضارتها، اطلعنا عليها في
مجلة النفائس فأردنا تسجيلها في الرسالة سجل العرب، قائلين:
ما أشبه الليلة بالبارحة!).
(منقب)
. . . فإن هذه (الدول) لا تسعى سعيها ولا تبذل مجهودها في الاستيلاء على البلاد الشرقية لتنجيها من عذابها، وتنتاشها من ضلالتها، وتسعدها بعد بؤسها، وتهذبها وتثقفها وتعلمها ما لم تكن تعلم - ولو اتبعت ذلك لسلكت غير هذه السبيل، ولخالفت عن بُنيّات طريقتها الاستعمارية المشهورة ولكنها جدّت في تملك بلادك لتموت أنت وتحيا هي، ولتملق أنت وتثري هي، ولتذل أنت وتعز هي. وإن يوماً تراك فيه استيقظت من هجوعك وثبت إلى رشدك، وجرى في عروقك دم الوطنية ليوم عليها عظيم
ولقد لبثت فرنسا في الجزائر وتونس والتونكين وغيرها ما شاء شقاء أهلها أن تلبث، وأقام الإنكليز في الهند ومصر وأسترالية ما قدر القدر الجائر أن تقيم، ومكثت روسيا في القرم وبخارى وخيوه ما أراد القدر القاهر أن تمكث، وظلت هولاندة في جزيرة جاوا ما كتب لأهلها النحس أن تظل، ومكدت إيطالية في الصومال ما حكم الدهر الوغد أن تمكد، وتملكت غير هذه الدول من الأرجاء في المشرق والأقطار ما تملكته - فلم نرها جاءت من الخير للذين سلبتهم سلطانهم ما كان يجب عليها أن تجيء به، ولم نلفها بلغت هؤلاء