للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[محمد بن جعفر الكتاني]

بمناسبة مرور عشر سنوات على وفاته

للأستاذ محمد المنتصر الكتاني

تمهيد

في تاريخ الرجال كثير من الخلاف يكاد يعجز الباحث والمؤرخ عندما يريد التوفيق - وتاريخ رجال المغرب ورجال المشرق في هذا سواء - فبينا أنت تقرأ عن خالد مثلا انه ولد في القرن الثاني إذا بك تجد في تاريخ آخر أنه مات في القرن الرابع، ثم هو نفسه تارة يصوره لك بعض المؤرخين في صورة العابد العالم الثقة الصدوق، وحيناً تقرأ عنه عند غير المؤرخ الأول انه لم يكن بالعالم ولا الثقة وإن هو إلا كذاب مضل. وفي كتب التراجم أمثلة لهذا النوع كثيرة.

ويريد جمع من النقاد معرفة السبب فتعييهم المعرفة ويملهم تعداد الأسباب والاحتمالات فيقفون عندها دون جزم بواحد منها

وعندي أن لذلك أسباباً كثيرة أهمها:

(١) فقدان الثقة في كثير من المترجمين. إذ هؤلاء يكتبون - عمداً - ما توحيه إليهم أغراضهم وإن خالفت ما يعرفون.

(٢) جهل بعضهم بحالة المترجم، فهم إذا سئلوا عنه حملهم الاعتداد الكاذب بالنفس أن يجيبوا بصفات لو قدر وعاش المسؤول عنه وسمعها لنفاها وأنكر أن تكون فيه؛ وقد يضطر هذا المجيب لكتابة ما أجاب به فيزيده تنميقاً وتزويراً في جمل مغرية مشوقة يستر بها تضليله وكذبه.

(٣) الخصومة المذهبية. فترى المؤرخ في هذه الحالة يهتم اهتماماً مريباً بالبحث عن النقائص، حتى أنه ليجهد نفسه إلى حد الإعياء ليخرج له معايب من قصص وحوادث تافهة لا يؤبه لها عادة. وكنا نحسن الظن في هذا الخصم المذهبي لو اعتنى بالمزايا اعتناءه بالنقائص ولكنه لا يعرج له على مزية ولو كانت كوضح الشمس، وبالعكس الحب المذهبي، فبقدر ما يخفى من مزايا الأول ومحاسن يستر هذا الثاني العيوب والمخازي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>