حين وثب الجيش المصري الباسل وثبته المباركة، رجونا الله عز وجل أن يهب فقهاً في عقليته، حتى يهضم معانيهاويساير خطواتها، فتؤتي أكلها، وتقدم للوطن من ثمراتها الطيبات ما ينهض به، ويعلي كلمته، ويرفع قدره
ولقد أتاحت وثبة الجيش المباركة فرصة طيبة للإصلاح حتى يقوم على أسس ثابتة؛ ومهدت للنهضة حتى ترتكز على أصول مستقرة، وكان يحدوها الأمل في أن تجد الفقهاء من المصلحين حتى يضعوا أسس الإصلاح، والفقهاء من المشرعين حتى يضعوا أصول النهضة؛ ولكن يظهر أن الفقهاء من المصلحين يضنون بفقههم على مصر، والفقهاء من المشرعين يدخرون فقههم لبلد غير مصر، أو أن الفقهاء من المصلحين والمشرعين لم يزل اليأس الذي أورثهم إياه العهد البائد يجثم على صدورهم، فاثروا الدعة على النشاط، والانزواء على النهوض، وتركوا الميدان خاليا إلا من شراذم تتصنع الثرثرة في توافه المسائل، والجلبة في سفساف الأمور، والرغاء في كل ما من شانه أن يثير الجدل والمراء!
ولعل في مهزلة (توحيد الزي) التي تمثل اليوم المسرح دليلا على ما قدمت. فأي معنى لان يرتفع سعرها وتروج سوقها في وقت لا حاجة لنا بها، نحن في مستهل عهد جديد مشرق نريده جداً لا هزلاً، وحقاً لا عبثاً، ونرجوه مقوضا أركان العهد البائد وماحياً آثاره، ومحققاً لأمال الشعب وأماني الوطن! أي معنى لان يرتفع سعر المهزلة وتروج سوقها اليوم، وهي لا تعود على البلد بذرة واحدة من الخير؟ إنها لا تدفع جوعاً عن بطون أعياها الجوع، ولا تستر أجساداً أضناها العرى، ولا تهدئ نفوسا أثقلها الفقر، أنهكها الشقاء، أفزعها الحرمان!
البلد ما زال مسيس الحاجة إلى الانتعاش الاقتصادي حتى تهدا النفوس، والبلد في مسيس الحاجة إلى كثير من نواحي الإصلاح حتى تستقر الأوضاع، والبلد ما زال في مسيس الحاجة إلى الخطوات العمرانية حتى تستقيم الأمور، وشعب هذا البلد في شدة الحاجة إلى بعثة من جديد، وخلقه خلقاً آخر حينها يكون جديرا ببلد يبغي الإصلاح في شتى صورة، ويبغي النهضة في اكمل منازلها، ويبغي الرفعة في اسمي درجاتها، وليس البلد في حاجة