هذا الكتاب من بواكير التأليف بعد النهضة الكبرى، فهو يهدف إلى مراميها وتتمثل في طبيعتها. وهو مثلها شعور طال كبته ثم تدفق فجأة عند أول فرصة لتدفقه كما ينفجر البركان عندما تقترب متفجراته الحبيسة من طبقة أرضية ضعيفة.
ولقد تسبق التفجر إرهاصات منبهة به كما سبقت النهضة أزمات حادة، وكما تلجلج هذا الكتاب فحاول الخروج قبل أن تخرجه المطبعة على الصورة التي أخرجته بها الآن. في سنة ١٩٤٢ حاول مؤلفه السيد عبد المغني سعيد أن ينفس عن شعوره الجياش وأن يخرج جانباً من الكتاب باسم (تيارات الإحلال وتيارات الحرب في مصر)، وحاول إذ ذاك أن يوضح خفايا فترة الانحلال، ويحلل اتجاهات الإصلاح، ويرسم المحاولات الارتجالية التي كادت تتمثل إذ ذاك في الأحزاب، وأن ينبه إلى ما شابها من خطأ، وما يصيب البلاد من ضرر لو لم يفسح للثورة الفكرية المحسوبة في الصدر مجال الظهور.
لقد بدت هذه المحاولة، ولكن لم يكن الوقت قد آن لنشوب الثورة في مصر. ولا لصدور التعبير عنها بمثل هذا المؤلف، فلم يفلت مشروع كتابه من مقص الرقيب.
واضطر إلى انتزاع أجزاء منه وتقسيم فكرته، بعد تهدئتها على فصول نشرت في الصحف، ولكن كذلك لم يكفه، فأعد من كتابه نسخا معدودة على الآلة الكاتبة، بعد أن أعاد كتابة ما نشر وزاد فيه من التوسع والصراحة.
لكن هذه الثورة لم تكن لترضيه، ولم يكن في الإمكان نشر الذي يرضي، فهرب النسخة الكاملة من معتقله في ألمانيا.
وهكذا كانت الثورة نفسها تحاول الظهور ثم يحول دون ظهورها ما حال دون ظهور الكتاب وأمثاله من رقابة، إن تشبهها بشيء فبقشرة الأرض الغليظة فوق ثورة محبوسة في صدر بركان.