كان لهذا الشهر في عالم الأدب الفرنسي أهمية كبرى تميزه من سائر شهور العام. فقد سطعت في النصف الأول منه أسماء أربعة من الكتاب بعد أن فاز كل منهم بإحدى الجوائز الأدبية الكبرى التي تمنح في فرنسا في مثل هذا الشهر من كل عام إلى خير قصة يقع عليها اختيار لجنة تحكيم كل جائزة من هذه الجوائز. ولقد ذكرنا أكثر من مرة أن اهتمام الغرب بالإكثار من الجوائز الأدبية، يرتفع عن المكافأة المادية التي تصيب الكاتب الفائز، وأن الغرض الأساسي هو شحذ همم الكتاب والاحتفاظ بعاطفة المنافسة حارة في قلوبهم. وكل من تصفح الجرائد الأدبية الفرنسية الكبرى خلال الشهر الفائت استطاع أن يعرف مقدار اهتمام الفرنسيين - وهم كغيرهم من أمم الغرب - بأمر هذه الجوائز الأدبية. واستطاع أن يحس بما تخلقه هذه المباريات في نفوس الأدباء حين يقرأ أحاديثهم قبل ظهور قرار المحكمين. تلك الأحاديث الممتلئة بالعبارات المتحمسة، القلقة على مصاير أعمالهم وعصارة عقولهم. وعندئذ يشعر بحاجة كل أمة متمدنة تبغي النهوض لفنونها وآدابها إلى مثل هذه الجوائز
وروجيه فرسل الفائز بجائزة جنكور أستاذ للآداب بكلية دينان وهو الآن في الأربعين من عمره ولد في بلدة نانر، ولما شب تعلم في (فليش) ثم انتقل إلى (كان) ليدرس الأدب، ولكن لم يكد ينقضي عام حتى شبت الحرب الكبرى فانتزعته من أحضان كتبه وأساتذته الذين كان يجلهم أعظم إجلال مثل بييرفي الأستاذ الضرير الذي لا يزال يذكره روجيه فرسل بالخير، ويرجع إليه أكبر الفضل في نجاحه في الحياة العامة، ومثل موريس سوربو الذي أصلح له فيما بعد رسالته عن كورني، فنال بها ليسانس الآداب
حارب فرسل في كثير من الميادين الحربية في فرنسا مثل: ايبر وشمباني وسم وأرجون، ثم أوفدته السلطات العليا إلى عدد من بلدان أوروبا الشرقية للقيام ببعض المهام، فرأى