للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحضارات القديمة في القرآن الكريم]

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

(تتمة)

الحضارة اليونانية:

اليونان من الجنس الآري الذي ينتسب إلى يافث بن نوح عليه السلام، وهم أول من حمل لواء الحضارة من ذلك الجنس، وتمتاز حضاراتهم على غيرها من الحضارات بالنهضة العلمية التي قامت على أساسها، ومازالت ترعاها وتتعهدها حتى ترعرعت وازدهرت، وظهر فيها من أعلام الفكر أولئك الفلاسفة الذين رفعوا منار العلم، ووصلوا فيه إلى ما لم يصل إليه أحد قبلهم، فأقاموه على أسس ثابتة، وجعلوا له حدوداً ومعالم ظاهرة، وقد بلغ من قوة تلك الأسس وظهور تلك المعالم إنها لا تزال ثابتة إلى عصرنا، وان كل نهضة علمية حدثت بعدها تحذو حذوها، وتجري على منوالها، فتبني على تلك الأسس، ولا تتخطى تلك الحدود والمعالم، ويكون كل همها أن تصلح فيها خطأ أو تزيد على آثارها آثاراً جديدة

وكما تمتاز الحضارة اليونانية بهذا تمتاز بأمر آخر له خطره، وهو محاولتها جمع العالم على حضارة واحدة، وإخضاع الشعوب البشرية لسلطان واحد، حتى يمكنها أن تتقارب وتتفاهم، وأن تتعاون في كل عمل يرفع شأن البشر، ويعود عليه بالخير والرفاهية، والحضارة اليونانية في تلك المحاولة على عكس الحضارة اليهودية، لأن اليهود كانوا يعتقدون أن حضارتهم حباء من الله لهم، وأنهم أورثوا بها أثاراً على غيرهم من الشعوب، فلا يصح لهم أن يشركوا فيها غيرهم، ولهذا عاشوا منعزلين عن غيرهم من الشعوب، ولم يحاولوا أن يضموا شعباً منها إلى حظيرتهم

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذين الغرضين الحميدين في الحضارة اليونانية، وفصلهما أحسن تفصيل في سورة الكهف من الآية - ٨٣ - إلى الآية - ٩٨ - (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا، إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً، فأتبع سبباً، حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوماً، قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً، قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>