(أي صديقي معروف! إنك لتغمر أشخاص عالمك الذي صغت في هذه الرواية البارعة، بشعاع رقيق يحفل بالطيوب واللحون والألوان والصور.
إنك تفيض على كل ما تكتب بركة الحياة والنور، فالأشكال تتكلم، والصور تغني، والأخيلة تتفتح عن ألوان لماحة كالطيف، مفترة كالصباح.
فهنا حياة كاملة لجبل من الناس تنبسط وتأتلق حتى تملأ الأكوان بسعتها وإشراقها.
وهنا الحدائق تتدفق بأنهار كأنهار الجنة تتنهد وتغرد، وتتلفت وتزهى، وتعبق حافاتها بخمائل الحلد وأزاهير النعيم، ثم تذوب في الجو الساهم الهائم أنفاسا مشبوبة بالعطر، لاهبة بالغناء طافحة بالشوق.
فمن أحب أن يشعر بهنائة الفن، ورغادة الأدب فليقرأ (عمر بن الخطاب).
ومن فاته أن يرى إلى جنائن عبقر، وحدائق الشرق المسحورة، ويتسمع إلى حكايات الحب وأناصيص الحرب، وينظر إلى مواكب المجد وكتائب النصر فيلتمسها في هذه الملحمة الكبرى!)
أنور العطار
سرب (هراقليوس) في أنحاء الكنيسة بين العمد والأقواس والحنايا والقناطر والتصاوير والشموع، فكأنه في سروبه طائف ألقت به دنيا الأموات إلى دنيا الناس، وما كان قاهر الفرس وسيد الكتائب الظافرة في أفريقية وأوربة ليستطيع أن يكافح شجونا علقت في نفسه وملكت عليه إحساسه وشعوره، وتلك هي شجون لم يحسر عنها أمام خلصائه وأصفيائه استبقاء لزهوه وكبره، وحرصا على ذلك المجد الذي بلغ نواحيه في عمره الطويل، ولكنه أحب أن يلقي بحزنه وشجوه إلى هذا الليل الغاسق الذي بسط جناحيه على غابة تمور بالصور والدمى والمرمر والبرفير واللآلئ واليواقيت، وقد يكون من الخير لنفسه أن تطفو روحه على هذه المشاهد والاشياء، فكان كلما مر برواق من هذه الأروقة الممتعة هتف الجرح بقلبه وحسه، فترسل في مشيته، وأقبل إلى العمد المرمرية الماثلة فترفق على