للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الشرق الثائر]

للأستاذ أبي الحسن علي الحسني الندوي

إن ما يرجع إليه الفضل في أهم الأحداث التي غيرت مجرى الأمور وفكت السلاسل وحطمت الأغلال وردت الأمر إلى نصابه والحق إلى أصحابه (غضبة) غضبها حق مهضوم، أو شعب مظلوم، أو حر يستعبد، أو دين يضطهد، أو كرامة تتهدد، أو كريم يتحدى.

إن الغضب - مهما قال فيه علماء الأخلاق وكيفما حلله المؤلفون في علم النفس - من علامات الحياة وسمات الرجولة، إذا حرمه فرد كان بالجماد أشبه منه بإنسان حي. وإذا تجردت منه أمة كانت قطيعاً من غنم أو لحماً على وضم، لا تستحق الحياة فضلا عن الاستقلال، ولا تستحق الاحترام فضلا عن الإكبار والإجلال.

إن الغضب هو حمة الفرد والجماعة التي يحميان بها نفسهما ويصونان بها حياتهما، وإن الله لم يحرم مخلوقا من سياج يحوطه ومن حامية تذب عنه، ولما منح الورد طبيعة الحرير، رزق الأشواك التي حوله طبيعة الحديد. . ولا بقاء لحرير إذا لم يكن دونه شديد أو حوله حديد.

إن الغضب قوة كامنة في النفس قد لا يعلمها صاحبها، فإذا أثيرت هذه القوة وانطلقت أتت بالمعجزات، وأظهرت الآيات البينات، وقربت البعيد، وأذابت الحديد، وأحالت اليأس رجاءً والممتنع ممكناً، وطوت المسافات البعيدة في لمح البصر أو أقرب.

إن للغضب في تاريخ الإنسان العام وفي تاريخ الإسلام أياماً مشهورة، وفضائل مأثورة؛ ومواقف مشكورة، وإن أروع هذه الأيام وأفخرها يوم غضبت الأمة وثارت الجماعة، وما أمثلة هذه الغضبات في تاريخ هذه الأمة بنادرة.

إن أشد ما نكب به هذا الشرق الإسلامي وإن أكبر ما جنى عليه في العهد الأخير أنه فقد طبيعة الغضب والتزم الحلم والأناة والرحمة والعفو والتنزل عن الحق في كل وقت ومع كل أحد، مع أنه لا حلم مع الضعف ولا رحمة مع العجز ولا عفو مع الإرهاق ولا تنزل مع القهر، إنما هي كلها أخلاق اضطرارية لا قيمة لها ولا فضل، وليس مصدرها إلا برودة الدم وموت الرجولة وانحطاط الإنسانية. . وقديماً وصف الشاعر العربي قبيلة أسرفت في

<<  <  ج:
ص:  >  >>