للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السماحة والعفو

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحساناً

كأن ربك لم يخلق لخشيته ... سواهمو من جميع الناس إنسانا

لقد هجم الغرب على الشرق بدون داع ولا مبرر، لا دين ينشره، ولا رسالة يبلغها ولا فضيلة يحميها ولا عقيدة يدعو إليها. إنما هو الجشع الأرضي والشره الاقتصادي والاستغلال التجاري والاحتلال السياسي وبالإجمال طبيعة قابيل القديمة، هجم عليها بدافع الطمع والحرص فغزا عقوله ونفوسه وأسواقه وبيوته واتخذه ناقة ركوباً حلوباً يحلب ضرعها ويجز صوفها ويقتر عليها في مائها وعلفها، ويقسو عليها في استخدامها، واستأثر بموارد هذا الشرق، وخيراته وأصبح في بلاده الغنية التي تدر لبناً وعسلا كالأسفنج يمص الماء هنا ويصبه هناك، استأثر بمعادنه ومناجمه وبالذهب الأصفر والأسود، وأملى على شعوبه معاهدات وإيجارات جار فيها وغش وطفف الكيل وأخسر الميزان. . وضحك عليه كما يضحك على الأطفال وأقام عليه الحجر والوصاية كما تقام على السفهاء.

هجم عليه الغرب فاتخذه سوقاً مفتوحة لبضائعه وزبوناً دائماً لسلعه وعمالا مخلصين لمصانعه ووقوداً حاضراً لحروبه يسخر لأغراضه كيف شاء، ويسوقه إلى ميدان الحرب متى شاء ويجعله وقاية وجنة دون رجاله وبلاده , ويعيش في بلاده بفضل هذه الخيرات والأيدي العاملة والجيوش الحامية عيش الأحرار والملوك، ويدل بمستعمراته وأسواقه وعبيده في الشرق على جيرانه ومنافسيه في الغرب.

وكان أكبر مجرم تولى كبر هذا الاستعمار الغاشم، وتفرد بالقسط الأكبر في هدر الحريات والكرامات واستعباد الشعوب والأمم ونشر القلق والاضطراب في العالم، وكان أكبر عامل من عوامل الفساد الخلقي والأثرة الاجتماعية واختلال النظم الاقتصادية وأكبر معاداة للإسلام وكيدا لأهله هي بريطانيا (العظمى) التي سبقت جاراتها وشقيقاتها إلى غزو الشرق واحتلال أقطاره واستعباد شعوبه.

وكانت أكثر هذه الأقطار الشرقية التي احتلتها بريطانيا إسلامية بالطبع، فكانت الهند التي لا تزال بلدا إسلاميا تحكمها - ولو بضعف كبير - أسرة مغولية، وكانت مصر التي تحكمها الأسرة العلوية وسواحل الجزيرة العربية الخاضعة للإمبراطورية العثمانية، هي

<<  <  ج:
ص:  >  >>