هذا كتاب يأخذ موضوعه من التاريخ والعلم والأدب والشعر والحب والبغض والخير والشر، فهو كما يقول المؤلف الفاضل (تاريخ يفصل وقائع ليلى بين القاهرة وبغداد من سنة ١٩٢٦ إلى سنة ١٩٣٨، ويشرح جوانب من أسرار المجتمع، وسرائر القلوب).
ولا شك أن قراء الرسالة الكرام يعرفون بعض الشيء عن كتاب ليلى المريضة في العراق، نعم بعض الشيء فإن الدكتور الفاضل قد نشر صدراً منه في الرسالة، ثم أمسك على بقية الحديث، وطوى جوانحه على ما بقي من الشؤون والشجون.
ولقد يبدو هذا الكتاب هيناً في تقدير بعض الناس، على حين تجد بعضهم يمجده حتى ليرتفع به عالياً عالياً. . . إلى السماء، ولا غرو في ذلك، فقديماً كان كتاب (كيلة ودمنة) لمن يقف عند الظاهر ملهاة وتسلية، ولعلم موعظة وحكمة، وللأديب جمال وجلال. وكذلك كتاب صديقنا الدكتور، فهو في ظاهره شيء، وهو في دلالته ومغزاه أشياء. . . ثم هو في التقدير الصحيح صورة لما في الإنسان من عواطف الخير والشر، وما يصطرع في عالم الناس ودنيا الأدباء من الحلم والجهل، والرشد والغي، والهدى والضلال.
إنها آفاق من المعاني يتحاماها كتاب العصر الحديث، ولقد أراد الدكتور زكي مبارك أن يكفر عن سيئات أولئك الكتاب فيتحمل المشاق في ارتياد تلك المجاهيل، يقول الدكتور:(ولقد اقتحمت تلك الآفاق بلا زاد ولا ماء، وأنا أعرف أني أعرض سمعتي للأقاويل والأراجيف، لأن الناس عندنا لا يفهمون كيف يدخل الطبيب على نفسه ليشرح على حسابها أهواء النفوس والقلوب والعقول.
اقتحمت تلك المهلك وليس لي إلا سناد واحد هو الشعور بأني أؤدي خدمة للأدب والطب!! وهل كنت أملك الفرار من الصنع الذي صنعت).
وصدقني أيها القارئ أن الدكتور ما كان يلك هذا الفرار ولو استطاع ذك لنكص على عقبيه وكان بذلك من القاعدين الغانمين، ولكنه رجل ابتلاه الله بالصراحة والصدق، فهو لا يدين بمذهب (النفعية) في شيء، ولو استطاع زكي مبارك - كما يقول أستاذنا الزيات - أن يتملق الظروف، ويصانع السلطان، ويحذق شيئاً من فن الحياة في المواربة والمداورة،