أحجار طويت على إعصار! مجدر جف به الشرق والغرب، وطأطأ له الصديق والعدو. هذا مرقد (صلاح الدين)، طفنا بالقبر ووقفنا هنيهة خاشعين، ووقعت أبصارنا على صورة تمثل المجاهد العظيم؛ ثم قال أحدنا: أين التاج الذي وضعه على القبر ملك الألمان غليوم؟ قال دليلنا: أخذه الإنكليز! قلت: إن مجد (صلاح الدين) أعظم من أن يزيده غليوم وأجل من أن ينقصه الإنجليز، فليعطوا أو فليأخذوا، وليمدحوا أو يذموا، فذلك صرح لا تناله أيديهم، ومجد قصرت عنه أمانيهم، وحلبة التاريخ تشهد من كان الفارس الأمجد؟!).
فهذا هو إفصاح الشاعر وخياله وإحساسه. . . وهذا هو الأسلوب الذي صور به الدكتور الفاضل كل المشاهد التي رآها والآثار التي وقف بها في حلب ودمشق وبغداد وبلاد الفرس وموطن الأتراك، ثم في الحجاز مشرق النور المحمدي، وفي أوربا حيث السفوح كلها البهاء والرواء والشعر، فجاءت هذه الرحلات صورة قوية من عقل الرجل وقلبه، فهي فوق ما فيها من علم وتعريف آيات بينات من الأدب الوصفي الرائع، وقطع من العشر المرسل تفيض بالعواطف والأحاسيس، وتملأ نفس القارئ بالعظات والعبر، والحكمة والبهجة. وبهذا المعنى ستظل رحلات عزام خالدة خلود العواطف الإنسانية، باقية بقاء الإحساس القوي في نفس الكبير.