تُحسن (الرسالة) غاية الإحسان بما تتهيأ له من إصدار أعداد خاصة عن الأقطار العربية الشقيقة؛ فتلك لعَمري أجل خدمة تؤديها هيئة أو فرد، لنصرة هذه اللغة الشريفة، وإذكاء روح الوحدة والتعاون بين شعوبها التي ناء بها الضعف، وأذهب ريحَها التفرقُ والخذلان.
و (الرسالة) أقدر (هيئة ثقافية) على الاضطلاع بهذا العمل الذي تعرضت له؛ بل لا نغالي في الزعم بأنها تبلغ من هذا أضعافَ ما قد تبلغه (هيئة سياسية) تقيِّدها الرسميات، وتحوط عملها العراقيل الظاهرة والخفية. . . وشتان ما بين القوتين: قوة الأدب في صراحته ونفوذه وسلامة مقصده، وقوة السياسة في التوائها وتنكرها وتستر أغراضها ومراميها. . .
على أننا نحب - وعدد العراق بسبيل الإعداد - أن نوجه أنظار أدبائنا الأفاضل ممن سيتاح لهم الاشتراك في تهيئة هذا العدد إلى وجوب الإطناب في تاريخ العراق الحديث حتى يتهيأ لكل عربي طُلَعةٍ أن يعرف عن حياة العراق الاجتماعية والسياسية والأدبية والاقتصادية والعمرانية. . . ما فيه الغَناء. نحب أن نعرف عن بغداد فيصل وغازي مثل ما نعرف عن بغداد أبي جعفر وهرون، إن لم يكن أكثر؛. . . ولتكن محاسن نهضة العراق الحديثة موضعَ كلام كثير؛ ولكن لتذكروا لنا أيضاً بعض المساوئ التي قد تأخذها العين؛ ففي ذلك نفع للعراق وخدمة للعرب جميعاُ.
ولا نحب بذلك أن ترك الماضيَ إلى هذا الحاضر الحافل المتشعب، فماضي العراق وتاريخ دُوَله مما تلذّ لنا قراءته في كل وقت؛ لأنه تاريخنا جميعاُ: تاريخ حضارتنا وديننا ولغتنا وقوميتنا؛ وصورةٌ من مجدنا الذي نصبو إليه مخلصين، ونهفو إلى استعادة ذكرياته والتأسي بعبَرة، حتى تأذن لنا الأيام بأن نستعيد مفقوده ونحيي موءوده.
. . . . فلنقرأ من خير هذا الماضي وشره ما يعيننا على إدراك حقائق الحاضر حتى نعرف فيه طريقنا ونتميز موقفنا. . .
وأخيراً نسأل أدباءنا، ولتكن أجوبتهم على ذلك في العدد الخاص: أين من يعقد لنا مقارنة بين بغداد القديمة والحديثة (مع خريطتين لهما)؟
أين من يحدثنا عن آثار العراق الباقية إلى اليوم، والتي قد تُتاح مشاهدتُها لمن يزوره؟