يموج العالم الغربي اليوم بمتلاطم من المذاهب والنظريات والحقائق التي بلبلته حين تكاثرت عليه، فصار لا يدري ما يأخذ، أو ما يدع.
والعالم الإسلام ي عرضة لتلك الأمواج تتوافد عليه فتحدث فيه بعض ما أحدثت في عالم الغرب من اضطراب في الفكر والاعتقاد، وذلك رغم ما يملكه المسلمون من معايير وثيقة للحق والباطل تتجلى في كتاب الله وسنة الرسول.
ولعل من بوادر البلبلة الوافدة ما يبدو لبعض الناس في بعض الأحاديث الشريفة من مخالفة للعقل يقترح من أجلها تنقيح كتب الحديث القديمة أو تنقيح الأحاديث نفسها في كتب جديدة.
وتمحيص الحديث لا يمكن من الناحية النظرية إلا عن طريقين: تمحيص المتن أو تمحيص السند. فأما تمحيص الأسانيد فقد قام به أئمة الحديث على صورة لم تدع زيادة لمستزيد. ونحل الأسانيد فوق ذلك أمر غير ممكن. وأما نقد متون الأحاديث فلا يزيد على أن يكون تحكيما للرأي في الدين بحيث يصبح الدين رأيا ويصبح الرأي هو الدين.
إن القدماء كانوا على حق حين حكموا أن الطريق الوحيد المأمون في تصفية الأحاديث هو طريق تمحيص السند، لأنه بعد أن قامت الحجة القاطعة على رسالة الرسول صلوات الله عليه، وانه لا ينطق عن الهوى في كل ما بلغه الناس عن الله، لم يبق لتمييز الحق من الباطل إلا أن تثبت القول عن الرسول. وتمحيص الأسانيد المتصلة إلى الرسول هو الطريق البديهي لهذا الإثبات. فمن آيات الله الباهرة في حفظ هذا الدين أن وفق علماء المسلمين للقيام بتلك المهمة الكبرى قبل أن يفوت وقد أمكن القيام بها فلو تأخرت إلى ما بعد تلك العصور التي تمت فيها لأصبح القيام بها مستحيلا، إذ لو وجد العلماء الراغبون في بذل الجهد القادرون على التمحيص، لما وجد ما يفحص أو يمحص بعد موت جميع الشهود.
فمن فضل الله علينا وعلى الناس جميعا أن كان الدين وعلومه شغل العلماء الشاغل عصورا طويلة حتى تم حفظ اللغة، وحفظ القران، وحفظ الحديث، وإلا أصاب الإسلام ما