أعتقد أن أسمى اللغات قاطبة وأقربها إلى العقل والقلب، وأكثرها شيوعاً وانتشاراً في مسالك الأرض: هي الموسيقى وحدها لأنها لغة الطبيعة السهلة التي تجري على كل لسان لتعبر عن خوالجه، وتترجم إحساسه وتصور أمله وعقله، بل وتسجل مقدار ما يتمتع به من حضارة وسمو، أو ما هو عليه من انحطاط وخمول!
ولا أحب في هذا المقام أن أستشهد بأقوال حكماء العالم فإنها معروفة، وإنما أحب أن أركز هذه الأقوال جميعاً في جملة واحدة للحكيم الصيني (كونفوشيس) الذي قال: (أروني أغاني أمة من الأمم أركم مدى ما وصلت إليه من حضارة ورقي. .!).
وقبل أن أعرض مع القارئ مبلغ ما وصلت إليه (أغانينا) من حضارة ورقي أو انحطاط وهبوط، سأحاول - ما استطعت - أن أعطيه فكرة عن الأغاني في شيء من الإيجاز، فإن للإسهاب وقتاً آخر.
١ - الأغاني الوصفية: وتشمل الموسيقى المسرحية ومحاكاة ما تسمعه الأذن من التفاعيل الطبيعية.
٢ - الأغاني الحماسية: وتستعمل في إشعال النفوس وتهيئتها لجو الحروب، والتضحية والفداء. . .
٣ - الأغاني الشعبية: وتمتاز بلونها السهل الذي لا تركيب فيه ولا تعقيد.
٤ - الأغاني الغزلية: وهي التي تترجم خلجات النفس وأماني الفؤاد، وتصوير ما يلاقي الإنسان في حبه من توفيق أو فشل، وأثر هذا التوفيق أو هذا الفشل في حياته وتفكيره. .
٥ - الأغاني الصوفية: وهي التي يتداولها رجال (الذكر) ببراعة بارعة وقدرة قادرة على التصرف والخروج من نغم إلى نغم ومن مقام إلى مقام؛ ثم الرجوع إلى النغمة الأصلية والمقام الأول بسلامة ودقة.
٦ - أغاني العمال: ويستعملونها لمساعدتهم على أعمالهم الشاقة واحتمال ما هم فيه من حاجة وضنى.