للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مقالات في كلمات]

للأستاذ محمود غنيم

الحياة والأمل

قالوا: إن فرعون حينما أراد أن يبلغ الأسباب، أسباب السموات فيطلع إلى إله موسى، هيئ له تابوت ذو أربعة أعمدة، ثم علق في أسافل تلك الأعمدة أربعة نسور خماص، وفي أعاليها أربعة حملان مسلوخة الجلود، ثم استقل فرعون التابوت فانطلقت النسور تشق أجواز الفضاء، تمني نفسها عبثاً بذلك اللحم الغريض، ثم كان من أمرها ما كان

وما أظن أننا في هذه الحياة إلا أشبه بتلك النسور، وما أظن الغاية التي نسعى إليها أقرب من تلك الحملان، مع تعديل طفيف في طرفي التشبيه، فنسور فرعون تسعى وراء أمنية لا يتسنى تحقيقها، ونحن كلما تحققت لأحدنا أمنية أسلمته إلى أخرى، وهكذا يقضي الإنسان عمره وراء سلسلة من الآمال متصلة الحلقات غير متناهية، حتى يخر صريعاً وأمانيه حوله، وقد حال بينهما من الموت سد منيع

هذا طالب ينشد شهادة، وهذا حامل شهادة ينشد راتباً، وهذا ذو راتب يريد أن يتضاعف، إلى آخر تلك السلسلة التي لا تنتهي حلقاتها

ثم هذا شاب يريد أن يتزوج، وهذا زوج يريد أن ينجل، وهذا ناجل يريد أن يرى أنجاله رجالاً، إلى أخر تلك السلسلة التي لا تنتهي حلقاتها

ثم هذا قائد يريد أن يكون وزيراً، وهذا وزير يريد أن يكون أميراً، وهذا أمير يريد أن يوطد نفوذه أو يوسع رقعة ملكه

قالوا لنابليون ذات عشية ... إذ كان يرصد في السماء الأنجما

بعد افتتاح الأرض ماذا تبتغي؟ ... فأجاب أنظر كيف أفتتح السما؟

الحياة نار مشوبة وقودها الأمل؛ وهي قطار، وهو بمنزلة البخار، وإن للطبيعة في خداع الناس عن هذا الطريق أفانين، فهي تزين للإنسان الغاية من الغايات، فيدمى أخمصيه سعياً وراء تحقيقها، حتى إذا جاءهم لم يجدها شيئاً، فتلوح له بأخرى، وهكذا يقضي الإنسان حياته في سعي متواصل، وهي لا تتورع في هذا السبيل عن خداع الناس بالحق وبالباطل، وعندها لكل صنف من الناس صنف من الآمال يخلب لبه ويغريه ببريقه. أرأيت ذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>