للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قبس من نور صاحب الهجرة]

أدبني ربى فاحسن تأديبي

للأستاذ محمود الشبيشي

. . . وأخذت القوم الحيرة الممزوجة بالإعجاب من سحر ما أبان، وصدق ما اظهر. وزاد من حيرتهم وإعجابهم انه كان أميا؛ فتلطف أبو بكر رضى الله عنه وقد أصابه ما أصاب القوم وأخذه ما أخذهم، وهو العالم الخبير بأنساب العرب وأخبارهم، فقال يا رسول الله: لقد طفت في العرب وسمعت فصحاءهم فما سمعت افصح منك؛ فمن أدبك؟

قال: (أدبني ربي فاحسن تأديبي)

إنها لكلمه جامعه، مركبه من كلمات قي منطق اللغة، كثيرة في منطق العقل، تملك القدرة التي تأسر بها كل الحواس. يخيل إلي أن الحروف فيها ليست كالحروف؛ فهي من مادة الروح، وهي من عنصر القلوب، ثم هي بعد ذلك كله من جوهر النور السماوي، ينزل هبه علوية لخير من يعرف أقدار الهبات.

(أدبني ربي فاحسن تأديبي)

جماع الحكمة في ألفاظ حكيمة، ومبعث النور في ألفاظ من نور، وروض الأخلاق الكريمة في حروف كريمة، نطق بها اكرم الخلق فزادت فوق سموها سموا، لان الرسول الكريم ترنم بها. . .

يكاد المرء يلمس في طياتها تتحرك، ويحس هداية الرحمن خلال كلماتها تتلألأ، وهي من سر الروحانية؛ يخيل إليه إن سالت فجرت سيلا من طبيعة الحياة لا التدمير، فهو ينهل من عذبها، ويرى في ثناياها ألوان الروحانية السماوية تتألق بمعاني الهداية، وتتلألأ بأنوار الحكمة، فهو بتأملها ويكاد البصر يتعلق بها فلا يبرحها

ثم هو يوشك أن يشعر بألفاظها تتحرك من سحر ما فيها، وتحيا فكأنما يلمسها ويراها، وهو لما يظهر فيها من نضج الحكمة واكتمال ثمارها يكاد يلتهم أطايبها التهاما، ثم هو لا يشبع من معانيها. ومن ذا الذي يشبع من أطايب الرسول؟ (أدبني ربي فاحسن تأديبي)

ياله من اعتراف نبيل من اكرم الخلق بفضل بارئ الخلق! اعتراف مسلك الهداية، وقول نهج للناس منهج للسعادة. نعم أدبه ربه فاحسن تأديبه، فكان المثل العالي في خلفه؛ فهو

<<  <  ج:
ص:  >  >>