نقلت الصحف أن معالي الدكتور محمد هاشم وزير الدولة سيخص محطة الإذاعة المصرية بجزء من وقته وجهده، عسى أن تفلح العناية والرعاية في تخفيف شيء من سخط الجمهور المستمع في كل مكان. . . هذا الخبر إذا تخطى مرحلة التصديق إلى التحقيق كان حرياً أن يبعث في النفوس اليائسة من إصلاح الأمور في الإذاعة، أملاً كبيراً مبعثه الإيمان الصادق بأن الشباب في أكثر خطواته. . . عمل وأمل!
أعرف وزير الدولة الشاب منذ تسع سنوات على التحديد؛ أعرفه معرفة هيأتها قاعة المحاضرات في كلية الآداب، يوم كنا نجلس متجاورين لنستمع إلى محاضرات الدكتور طه حسين بك عن الأدب المصري الحديث. . . ولو علم القراء مبلغ عشق الوزير الشاب للأدب ومدى تعلقه به لبدا لهم الأمر عادياً لا غرابة فيه، فيما لو قدر لهم أن يروا الدكتور هاشم المدرس بكلية الحقوق في ذلك الحين وهو يترك محاضراته ليأخذ مجلسه بين الطلبة في كلية الآداب! كنت أدخل إلى قاعة المحاضرات فأرى الدكتور هاشم وقد سبق الطلاب إلى التبكير بالحضور، حتى لقد كان في الكثير الغالب من الأحيان أول (طالب) يلقي على القاعة تحية الصباح. وآخذ مكاني إلى جانبه دون أن أعرف شيئاً عن هذا الذي أجاوره؛ فكثيراً ما كان يقع في الظن أنه زائر غريب أقبل من خارج الجامعة ليستمع إلى الدكتور طه حسين، شأن أولئك الزائرين الغرباء الذين كانوا يسعون إلى محاضراته ليروه رأي العين والفكر في وقت معاً!
ولكن هذا الزائر الغريب كان يثير اهتمامي بشخصية، تلك الشخصية التي كنت ألمح في سماتها مظهر العلماء. . . جلسة هادئة متزنة فيها الكثير من الوقار، ونظرة نفاذة ساهمة تزن حقيقة المحاضر على ضوء كلماته، وأذن مصيخة واعية تحتشد للحديث لتلتقط كل ما يقال، ووجهة مشرق القسمات يعبر عن إمتلاه النفس والعقل والشعور. . . هذا كله دفعني يوماً إلى أسأله عن أسمه شغفاً بمعرفته، ولشد ما راعني أن أعرف أنه الدكتور محمد هاشم المدرس بكلية الحقوق. ومنذ ذلك اليوم وأنا أحمل له في نفسي كثيراً من معاني الإكبار