إن البغض والحسد والحقد والموجدة طبيعة من طبائع البشر، وخاصة إذا غزاها التعصب الأعمى، فإذا قام إنسان ما بعمل جليل، عمت فائدته على بعض الناس وشملت من حوله، كثر حساده وشانئوه، فنراهم يهبون والحقد يملأ نفوسهم والبغض يكاد يمزق صدورهم، محاولين الانتقاص من قدر عمل هذا العظيم، هذا بالنسبة لمن يقوم بعمل نافع في حدود بيئته، فما بالك برجل، كمحمد جاء بما فيه خير البشرية جمعاء وصلاح الكون كله، وقد بلغ من المرتبة والرفعة في نفوس مئات الملايين من الناس ما لم يبلغه أي إنسان مهما كانت أعماله. فليس عجباً أن نرى الكثيرين ممن أعمالهم التعصب وملأهم الحقد، يحاولون النيل من محمد ومما جاء به، ولو عقلوا لأراحوا أنفسهم وأراحوا غيرهم من جعجعتهم وصخبهم، لأنهم كالرجل الذي ينطح الصخرة محاولا تحطيمها فإنه سيرتد وقد أدميت قرونه.
فالمتعصبون من النصارى والملحدون. يسيئهم أن يعرف الناس حقيقة دعوة محمد. فيذيعون أن محمداً لم يكن يبغي من قيامه بهذه الدعوة إلا الشهرة والمنفعة الشخصية والمفاخرة بالجاه والسلطان وإشباع نزعة حب السيطرة الذي يملأ نفسه، وقد وغلوا في عرض هذا الرجل ودعوته بما لا يصدقه عقل، ويستحي أحط الناس قدراً أن يذكروه على ألسنتهم. وهم يعلمون أنهم كاذبون مدعون.
إن محمداً لم يكن يريد مفاخر الجاه والسلطان والشهرة والسيطرة، كلا وايم الله، فلقد كان في قلب ذلك الرجل العظيم ذي النفس الممتلئة خيراً ورحمة وبراً وحناناً، ذي العقل المتميز بالحكمة والإربة والنهى والحجى، أفكار أسمى من الطمع الدنيوي الذي يستوي بنو البشر الآخرين في الدرجة سعياً له، ونوايا أشرف من السعي في طلب السلطة والجاه. . .، لم يفكر يوماً أن يكون كما يتمنى كل إنسان، ولو أنه أراد الملك لناله، ولو سعى وراء المال لملأ منه خزائن كثيرة، ولو ابتغى السيادة لكان ما أسهلها عليه، ولو أراد أن يجمع بين كل